كشف التجاوزات الإدارية والمالية في هيئة الكتاب.. وقائع تثير التساؤلات | الحلقة الثانية

كتب صبري ممدوح: إن المتابع للشأن المؤسسي يدرك تمامًا أن حصر التجاوزات الإدارية والمالية داخل الهيئة المصرية العامة للكتاب في تقرير واحد أو تحقيق صحفي منفرد يعد أمرًا معقدًا للغاية، لكننا نواجه وقائع محددة وموثقة تثير تساؤلات جوهرية حول آليات الرقابة والمساءلة، وقد نتمكن من العثور على إجابات شافية لهذه التساؤلات المشروعة

كشف التجاوزات الإدارية والمالية في هيئة الكتاب.. وقائع تثير التساؤلات | الحلقة الثانية
كشف التجاوزات الإدارية والمالية في هيئة الكتاب.. وقائع تثير التساؤلات | الحلقة الثانية

محمد عزت.. تجميع السلطات في يد واحدة

يُعتبر محمد عزت، مدير مكتب رئيس الهيئة المُقال أحمد بهاء الدين العساسي، واحدًا من مراكز القوى المثيرة للجدل داخل المؤسسة، والسؤال المحوري هنا: كيف يمكن لمدير مكتب واحد أن يجمع بين ثلاثة مناصب استراتيجية في آن واحد؟

إذ يشغل منصب مدير المكتب، ويتولى في ذات الوقت مهام القائم بأعمال رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية، بالإضافة إلى إشرافه على إدارتَي العلاقات العامة والإعلام، وهذا التداخل الوظيفي يعني حصوله على مستحقات مالية لثلاثة مناصب مختلفة، مما يشكل تجاوزًا إداريًا صارخًا يستتبع بالضرورة تجاوزات مالية جسيمة.

وهنا يبرز السؤال بقوة: أي فساد يمكن أن يكون أقرب إلى رئيس الهيئة السابق من مدير مكتبه، الذي لا يفصل بينهما سوى باب واحد؟

سهام خالد موسى: الجمع بين النقيضين

تمثل سهام خالد موسى مركزًا آخر من مراكز القوى داخل الهيئة، حيث تتولى بحكم منصبها الإشراف على التفتيش المالي والإداري، لكن الكارثة الحقيقية تكمن في إشرافها المتزامن على المخازن، مما يطرح تساؤلاً منطقيًا: هل من المعقول أن يُصدر عاقل قرارًا بتولي شخص واحد مهام التفتيش المالي والإداري والإشراف على المخازن في الوقت نفسه؟

إن هذا القرار لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص فاسد على مستويات متعددة، أو فاقد للأهلية الإدارية، فكيف يمكن الجمع بين مهام الرقابة والتفتيش من جهة، والإشراف على ما يُفتّش عليه من جهة أخرى؟ إنه تضارب في المصالح بأوضح صوره.

العمالة اليومية.. انتهاك صريح للقرارات الرسمية.

أما الأمر الآخر فيتعلق بقضية العمالة اليومية، التي تُعدّ من أخطر الملفات المثيرة للجدل، فإذا كانت الهيئة تضم نحو 1800 موظف وعامل، فإن وجود 600 من العمالة اليومية بينهم يُعدّ مخالفة صريحة للقرار رقم 125 لسنة 2018 الصادر عن وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والذي يحدد نسبة العمالة اليومية في كافة القطاعات داخل الهيئة بـ 3%.

لكن الواقع يظهر أن هذه النسبة تتجاوز 33%، أي أكثر من عشرة أضعاف النسبة المقررة قانونيًا، فهل هذا موقف قانوني سليم؟!

وتكشف مصادر مطلعة ونافذة داخل الهيئة عن ممارسات مثيرة للاستغراب، حيث تقول: “الموظفون في وزارة المالية، إذا أرادوا تشغيل أحد من أقاربهم في وظيفة، فسيتم ترحيله إلى هيئة الكتاب، وكأن هيئة الكتاب بلا رئيس، بلا قانون، بلا محاسبة”

في حين تتجاوز كل هذه التعيينات أبناء العاملين داخل الهيئة، في تجاوز صارخ لمنظومة كانت معمولاً بها لسنوات طويلة.

محمد أبو حطب.. تجاوزات موثقة ومساءلة مؤجلة

تفتقر اللجنة النقابية داخل الهيئة إلى أي وزن حقيقي، فهي لجنة نقابية شكلية يرأسها السيد محمد أبو حطب، الذي يتولى في الوقت نفسه الإشراف على صندوق التكافل.

وقد رصد الجهاز المركزي للمحاسبات تجاوزات مالية جسيمة في حق هذا الصندوق، وأُحيلت القضية إلى النيابة التي أصدرت تقريرها مؤكدة وجود تجاوزات تتعلق برئيس اللجنة، وتتراوح هذه التجاوزات من محاولات التربح من خلال رحلة صيفية، وصولاً إلى قضايا أكثر تعقيدًا تتعلق بفك وديعة الصندوق، والتي سبق أن تناولناها بالتفصيل في حلقة سابقة.

المسؤولية التاريخية.. ست سنوات ونصف من التقاعس

المشكلة الأساسية أن هذه التجاوزات في حق اللجنة النقابية وصندوق التكافل والعمال مستمرة منذ عام 2021 حتى الآن، دون أي تدخل فعّال من القيادة العليا للهيئة.

وللعلم، فإن الدكتور أحمد بهاء الدين العساسي تولى منصب نائب رئيس الهيئة في عام 2019، ثم أصبح رئيسًا لها في عام 2022، أي أننا نتحدث عن فترة زمنية تمتد لست سنوات ونصف، قضاها نائباً ثم رئيساً، فما الذي فعله تجاه هذه التجاوزات الصارخة؟

المحاسبة أبسط صلاحيات القيادة العليا

للمرة الثانية أتوجه بالشكر لمعالي وزير الثقافة على قراراته الحكيمة، وخاصة إقالة رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، لكن يجب ألا نكتفي بالإقالة وحدها، فمنطق المحاسبة يتطلب التحقيق في كل ما فات من تجاوزات إدارية ومالية، لأننا لا نتحدث عن مال خاص أو مكان خاص، بل عن مال عام ومؤسسة عامة.

لذا ينبغي أن تتم المحاسبة وفتح تحقيق رسمي حول ما حدث من تجريف لهيئة الكتاب خلال ست سنوات ونصف، فما نشهده داخل الهيئة ليس مجرد تجاوزات فردية، بل هو منظومة متكاملة من التداخلات المصلحية والإدارية التي تهدد سلامة العمل المؤسسي وتضر بمصالح العاملين والمؤسسة على حد سواء.

إن المؤسسات الثقافية في مصر تستحق إدارة نزيهة وشفافة تخدم رسالتها النبيلة في نشر المعرفة والثقافة، وليس منصة للمصالح الشخصية والممارسات المشبوهة، والوقت قد حان لوضع حدّ نهائي لهذه الممارسات واستعادة هيبة المؤسسة الثقافية العريقة.