صدر عن “دار الشروق” بالقاهرة كتاب عمار علي حسن الجديد “أبواب الأذى .. دفتر أوجاع أهل مصر”، حيث يستعرض فيه أحوال المجتمع المصري الراهن، من خلال دراسات ومقالات معمقة، وصور اجتماعية تعكس المعاينة والمشاهدة والوصف والتحليل لمشكلاتنا الاجتماعية وأمراضنا التي يتعين علينا مواجهتها وعلاجها.

مواضيع مشابهة: منة شلبي تتألق برقصها على أنغام “إيه اليوم الحلو ده” في زفاف منة القيعي وتجذب الأنظار
مجتمع في خطر
في مقدمة الكتاب، الذي يتجاوز ثلاثمائة صفحة، يقول المؤلف “نحن مجتمع في خطر، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ليست محل شك أو ريبة إلا عند جاهل أو غافل، ولهذا الخطر أبواب عديدة ونوافذ كثيرة، تهب رياحه من كل اتجاه، حاملةً غبارًا مسمومًا”.
ويضيف الكاتب “تجاوز الأمر الحديث عن ضعف في بنيتنا الاجتماعية أو توعكها، إلى ما يهدد بقاءنا، أو يبقينا مرضى خاملين، في ركود وخمود، بل في كساح أصاب عظم المجتمع، ونفذ إلى نخاعه”.
مقال له علاقة: أحمد الجندي يكشف أسرار أزمة كواليس مسلسل الكبير أوي 7 وخلاف بيومي فؤاد ومحمد سلام لأول مرة
ويعتبر المؤلف أن ما يعيشه المصريون حاليًا هو “شيء يتجاوز ما عرفوه مع الاستبداد والفساد، حيث تعايشوا معهما، وتحايلوا عليهما، ولم يفقدوا الأمل في الانتصار، حتى وإن تأخر، والعبور رغم العثرات، التي قد تكون شوكًا وجمرًا وسدودًا”.
يرى الكاتب أن المجتمع المصري في خطر، لأن العوامل التي ساعدت على تماسكه عبر القرون تتآكل، حيث يتردى مستوى التعليم، وتسيطر الرؤية القاصرة، ويتراجع دورنا الثقافي، ويغرق المجتمع في الغيبيات، بينما يفتقر الناس لإتقان العمل، ويتعرضون لتهديد الحرف والمهن التي عرفوها، مع استسهال ارتكاب المخالفات والجرائم، وانتشار الفقر والعوز، وتفشي روح التطرف.
دفقات بين الوصف والتحليل والسرد والتقرير.
لم يقسم الكتاب إلى فصول، بل يتكون من دفقات تجمع بين الوصف والتحليل والسرد، عبر عناوين لافتة تتناول أحوال المصريين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والثقافية، مثل “ضحك كالبكاء”، و”السكون والحركة”، و”الاستقرار والفرار”، و”العَرض والمًرض”، و”الدوران الاجتماعي”، و”التماسك والتحلل”، و”غُربة القرى”، و”أوراق العائلة”، و”الجد والحفيد”، و”نساء منسيات”، و”الغوث والتخلي”، و”السائد والمتنحي”، و”القبضة الحديدية”، و”التمثيل والتضليل”، و”تفكيك النخبة”، و”الخداع والإرغام”، و”العُصبة والعِصابة”، و”الأيدي الجارحة”، و”النميمة والثرثرة”، و”الداء والدواء”، و”الحرمان العاطفي”، و”خذلان الفِراش”، و”إهدار الاحتراف”، و”السطوة الرؤوفة”.
ومن العناوين أيضًا: “تصدع الوسط”، و”أنياب العوز”، و”قلب الجحيم”، و”الكفاية والكفاف”، و”غضبة الجوع”، و”قَدَر الإنحناء”، و”مسخ الهوية”، و”الهجوم الأسمر”، و”فوضى الشوارع”، و”سرقة المكان”، و”خريطة البنيان”، و”أصناف المشردين”، و”قسوة التجوال”، و”مواصلات الغلابة”، و”انهمار الحنين”، و”قياس الحاضر على الماضي”، و”انفلات الجريمة”، و”بؤس الغيبيات”، و”مِزاج الشعب”، و”المشكلة المستديرة”، و”ثقافة مريضة”، و”تجهيل فادح”، و”المذيع الواعظ الزعيم”، و”تلويث الفلكلور”، و”هبوط الذوق”، و”صعود الشعبوية”، و”هوس الشهرة”، و”من السماء إلى الأرض”
بعد ربع قرن
جاء على غلاف الكتاب “يغوص الكاتب ببراعة في قلب المجتمع المصري، كاشفًا عن أزماته المتشعبة، التي تنهك بنيته، وتضعف نسيجه الاجتماعي بكل وضوح وصدق، وهو يتناول بعمق قضايا حيوية ومصيرية، ولا يتوقف عند رصد المشكلات، وتشخيص الداء، لكنه بوصلة حقيقية نحو العلاج والنهوض، يدق الكتاب ناقوس الخطر، ويدفعنا للتفكير والمواجهة بشجاعة، ويزرع الأمل في قدرتنا على إحداث التغيير المنشود لمجتمعنا”.
يصف الكتاب المجتمع المصري بعد مرور ربع قرن من الألفية الثالثة، لنرى كيف تتدهور أحواله من صعب إلى أصعب، إنه وصف لتصرفات الناس، وتدابير السلطة، وما نتج عن ذلك من مواقف وظواهر، تتشابك كقطع “البازل” لتشكل لوحة لمجتمعنا، تعكس أمارات الخطر وعلاماته، التي يتبددها الناس على اختلاف ثقافاتهم ومصالحهم وطبقاتهم وتوجهاتهم السياسية، واشتياقهم لتحسين شروط الحياة.
تتعاون في تشكيل هذه اللوحة عدة علوم يمكن أن تندرج تحت “الدراسات الثقافية”، مثل الاجتماع السياسي، والتحليل الاقتصادي، والاقتراب النفسي، والنهج التاريخي، وعطاء الجغرافيا، والأنثروبولوجيا، التي تغوص إلى أعماق الأشياء والأقوال والأفعال.
لكن الكاتب لا يطل على المجتمع وظواهره من نافذة هذه العلوم فقط، بل يقف في قلب الميدان، حيث يستمع إلى همسات الناس وصراخهم، وهو وسطهم، وما يظهر من سكناتهم وإيماءاتهم وحركاتهم.
من قلب الشارع
لقد خرجت سطور الكتاب من قلب الشارع والسوق والمعمل والحقل والمصنع، ومن التاريخ إلى الحاضر، ومن الفرد والأسرة إلى المجتمع، هي كتابة الخندق وليس المكتب الفخم، خندق لأن هذا الكتاب أشبه بمعركة يجب أن نخوضها، وهي كذلك كتابة بالمشرط، لأن الكتاب أشبه بجراحة خطرة، يجب إجراؤها، فنفحص الداء أولًا، ونشخصه، ونصفه بدقة، وهي مهمة ضرورية قبل البدء في وضع أي علاج.
يقول الكاتب “لم يركن الكتاب إلى الصياغات الأكاديمية، التي قد تنفر القارئ العادي، لكنه راعى المنهج العلمي في التفكير، ولم يعتمد على نقولات من بطون الكتب، بل أخذ في اعتباره ما ينطق به الناس، وهو نصف العلم الاجتماعي بلا شك، ولهذا آثرت أن أصف المجتمع المصري في نقاط محددة، بعد تأصيل للثوابت التي يقيم عليها بنيانه”.
يعتبر هذا الكتاب محاولة لوصف مصر الآن، ربما تفيد من يسعى للإصلاح، أو على الأقل تفتح أفقًا للنقاش حول حال مجتمع بات في خطر شديد.
يشار إلى أنه منذ أن أجرى “المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية” مسحًا شاملًا للمجتمع المصري عام 1981، لم يُرجع إلى هذا على أهميته، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على ما قام به هذا المركز، وحدوث تغيرات عميقة في المجتمع تتطلب نظرة شاملة إليها.
قبل هذا بنحو مائة وثمانين عامًا، قدم علماء الحملة الفرنسية كتابهم “وصف مصر”، الذي درسوا فيه كل شيء في البلاد، ليقفوا على الأحوال الشاملة لبلد غزوه، وتمنوا أن يبقوا فيه محتلين قرونًا، لكنهم لم يلبثوا أن غادروه مجبرين بعد ثلاث سنوات، تاركين خلفهم دراساتهم العلمية، التي استفاد منها المصريون في السنوات التالية.
تكرر الأمر بطريقة أخرى مع “الخطط التوفيقية” التي قام بها علي باشا مبارك، حيث وضع تصوراته حول النهوض بالبلاد، وخاصة في مجال التعليم، هذا العمل إن كان فيه ظلال لعلم الاجتماع، فإن هدفه الرئيسي كان وضع أطلس يصف مدن مصر وقراها منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث، حيث وصف الشوارع والحارات والمنشآت من مساجد وكنائس ومدارس وزوايا وآثار منذ الفراعنة، علاوة على تراجم للأعيان والأدباء والأولياء.
وهذه الدراسات الثلاث صارت جزءًا أصيلًا من “تاريخ المجتمع” و”تاريخ العلم الاجتماعي”، يمكن العودة إليها كخلفيات لدراسات معاصرة، لكنها لا تغني عن وجود دراسات جديدة لمجتمعنا، تراه في تداخله وتفاعله، أو في التأثيرات المتبادلة للظواهر والمواقف والوقائع والأحداث، التي تتعانق في الواقع، ولا تنفصل إلا على سبيل الدراسة الصغيرة أو النووية، التي تنشغل بشيء محدد، وتتعمق فيه بعيدًا، لتسبر أغواره.
حول دوافع تأليف هذا الكتاب، يقول المؤلف “بتنا في حاجة ماسة إلى نظرة شاملة لمجتمعنا، تُشارك فيها عطاءات علوم عدة، وتُصاغ بلغة قابلة للتداول على نطاق واسع، ونحن بحاجة أيضًا إلى من يقومون بمهمة الوسيط بين الأكاديمي والمتلقي العادي باقتدار، ليعرف أهل مصر المعاصرين ما آل إليه مجتمعهم الذي هبت عليه عواصف كثيرة”.
يواصل الكاتب “نحن في خطر لكل هذا، وهو خطر يحيط بنا من كل جانب، وأغلب الناس في بلادنا لا ينتبهون لهذا الخطر، أو يعرفون ويغفلونه أو يبحثون فيه عن أي فائدة ضيقة عابرة، بينما تجارب التاريخ تقول بوضوح إن الشعوب التي صمتت واستسلمت للتنويم السياسي الطويل، الذي كان يلهيها عن السوس الذي ينخر في أوصالها، استيقظت على فجيعة أو كارثة”.
يعد كتاب “أبواب الأذى” هو الحادي والستين لمؤلفه، الذي تتوزع كتبه بين 14 رواية، و8 مجموعات قصصية، وديواني شعر، ومسرحية، وكتاب في السيرة الذاتية، وكتب تحوي نصوصًا سردية متنوعة، إلى جانب كتب في النقد الثقافي وعلم الاجتماع السياسي والتصوف والاقتصاد السياسي.
تعليقات