شهدت أسواق الذهب العالمية اضطرابًا ملحوظًا في الأيام الأخيرة، حيث زادت تأثيرات الرسوم الجمركية على أسعار سبائك الذهب بعد إعلان الولايات المتحدة عن نيتها فرض رسوم جديدة على الواردات، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين المستثمرين والمستوردين، مما أدى إلى تغييرات سريعة في الأسعار الفورية والعقود الآجلة للمعدن النفيس، ويأتي ذلك في وقت يترقب فيه الجميع أي قرار اقتصادي أو سياسي قد يؤثر على تلك الرسوم الجمركية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة.
وفقًا لموقع إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، تم الإعلان عن توجه لفرض رسوم جديدة على الواردات، حيث سيتم تحديد قيمة هذه الرسوم وفقًا لبلد المنشأ، وقد استهدف القرار بشكل خاص السبائك الأكثر تداولًا في الأسواق الأميركية، وخاصة تلك القادمة من مراكز التكرير العالمية الكبرى مثل سويسرا، التي تُعد من أكبر مراكز تنقية وتصدير الذهب في العالم، وكشفت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن خطابًا رسميًا صادرًا في 31 يوليو أشار إلى أن السبائك التي تزن كيلوغرامًا واحدًا أو 100 أوقية ستخضع لتصنيف جمركي جديد يفرض عليها رسومًا أعلى، مما قد يعطل سلاسل الإمداد العالمية للمعدن الأصفر ويزيد من التوترات في أسواق المعادن الثمينة.
أوضح محمد صلاح، رئيس التشغيل في شركة “سبائك”، في تصريحات إعلامية أن هذا القرار لم يكن مفاجئًا من الإدارة الأميركية، خاصة في ظل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي اعتادت على تحريك الأسواق بتصريحات وقرارات غير متوقعة، وأكد أن تأثير الرسوم الجمركية على أسعار سبائك الذهب ظهر جليًا منذ لحظة الإعلان، حيث شهدت الأسعار المستقبلية ارتفاعات سريعة مدفوعة بزيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن ضد تقلبات الدولار، وفي السياق ذاته، صرح برايان لان، المدير الإداري في “غولد سيلفر سنترال” بسنغافورة، بأن فرض الرسوم الجمركية على سبائك الذهب “سيسفر عن خلل في السوق”، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات انعكست على الأسعار فورًا بسبب اضطرابات التداول وانخفاض السيولة.
البيانات الصادرة عن أسواق الذهب العالمية أظهرت أن العقود الآجلة للذهب ارتفعت إلى مستويات قياسية، حيث سجلت عقود ديسمبر زيادة بنسبة 1.1% لتصل إلى 3490.70 دولار للأوقية، بعد أن لامست أعلى مستوى تاريخي عند 3534.10 دولار، أما في المعاملات الفورية، فقد استقر الذهب عند 3397.85 دولار للأوقية، بعد أن بلغ أعلى مستوى له منذ 23 يوليو، مسجلًا مكاسب أسبوعية تجاوزت 1%، وتظهر هذه الأرقام مدى تأثير الرسوم الجمركية على أسعار سبائك الذهب، خاصة في ظل الطلب المتزايد على المعدن كأداة تحوط ضد المخاطر الاقتصادية.
لا يقتصر أثر القرار الأميركي على الأسعار فقط، بل يمتد إلى سلاسل الإمداد العالمية، حيث تعتمد أسواق الذهب في الولايات المتحدة بشكل كبير على واردات من سويسرا، والإمارات، وكندا، ومع فرض رسوم جمركية جديدة، يتوقع خبراء الاقتصاد أن ترتفع تكاليف الاستيراد، مما قد يدفع بعض المستوردين إلى البحث عن مصادر بديلة أو حتى تقليل حجم الواردات، وهذا الوضع قد يؤدي إلى نقص في المعروض بالسوق الأميركي، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل أكبر على المدى المتوسط والطويل، خاصة إذا استمرت السياسات الجمركية في التشدد.
قال خبير الاقتصاد رشاد عبده في تصريح خاص لموقع نبأ مصر، إن الذهب يُعد من أهم أدوات التحوط في أوقات الأزمات، إذ يلجأ إليه المستثمرون لحماية أموالهم من التضخم وتقلبات العملات، وأكمل الخبير أن تزايد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وبعض الشركاء التجاريين من المرجح أن يستمر الطلب على المعدن النفيس في الارتفاع، ما يعزز تأثير الرسوم الجمركية على أسعار سبائك الذهب عالميًا، كما أن توقعات الأسواق بخفض أسعار الفائدة الأميركية في الفترة المقبلة قد تزيد من جاذبية الذهب، إذ يؤدي انخفاض الفائدة إلى تقليل العوائد على الأصول الأخرى، مما يدفع المستثمرين نحو الذهب.
بالنسبة للأسواق المحلية في الشرق الأوسط، فإن أي ارتفاع عالمي في أسعار الذهب ينعكس مباشرة على أسعار المشغولات الذهبية والسبائك في المنطقة، وفي مصر على سبيل المثال، يتابع التجار والمستثمرون بحذر التطورات الأميركية، خاصة وأن سوق الذهب المصري يعتمد على الأسعار العالمية كمؤشر رئيسي لتحديد أسعار البيع والشراء اليومية، وإذا استمرت الأسعار العالمية في الصعود، فقد نشهد موجة ارتفاع جديدة في أسعار الذهب المحلي، مما قد يؤثر على حركة الشراء ويزيد من حالة الركود التي تشهدها بعض الأسواق نتيجة ارتفاع الأسعار.