محمد شرف كان من الممثلين الذين احتلوا مكانة خاصة في قلوب الجمهور، ورغم عدم تقديمه بطولة مطلقة، إلا أنه ترك بصمة واضحة في كل عمل شارك فيه، سواء في السينما أو الدراما.
في الأيام الأخيرة، وبعد رحيل الفنان الكبير لطفي لبيب، عاد اسم محمد شرف للظهور من جديد، ليس بسبب عمل جديد أو عرض تلفزيوني، بل بسبب موقف إنساني نبيل قام به لطفي لبيب تجاهه قبل أكثر من عشر سنوات في كواليس فيلم “عسل أسود”.
في تصريحات إعلامية قديمة، كشف الفنان الراحل لطفي لبيب أن شخصية “راضي” التي قدمها في فيلم عسل أسود لم تكن مكتوبة له في الأساس، بل كانت مخصصة للفنان محمد شرف.
لكن حالته الصحية كانت متدهورة جدًا في ذلك الوقت، بعد خضوعه لعملية جراحية في المخ، مما منعه من المشاركة في التصوير.
لطفي لبيب قال: “محمد شرف كان هيعمل الدور، وكان هيعمله أحسن مني كمان، بس كان عامل عملية وموجود في المستشفى وقتها”، وأضاف أنه عندما طُلب منه أداء الدور، اشترط أن يحصل محمد شرف على أجره الكامل رغم تغيبه، وهو ما وافق عليه فريق العمل بالكامل
محمد شرف من مواليد الإسكندرية عام 1963، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، بدأ مشواره الفني في أوائل التسعينات، وشارك في عدد كبير من الأعمال السينمائية والدرامية، ونجح في تقديم شخصيات بسيطة لكنها ظلت عالقة في ذاكرة المشاهد.
من أبرز أعماله: ظرف طارق، آسف على الإزعاج، عسكر في المعسكر، عسل أسود، حمادة يلعب، مرجان أحمد مرجان، كما شارك في العديد من المسلسلات مثل: العار، الريان، عفاريت السيالة، راجل وست ستات، عبودة ماركة مسجلة
رغم أنه لم يكن بطلًا أول، إلا أن حضوره في أي مشهد كان يلفت الانتباه ويضيف نكهة خاصة.
عقب وفاة لطفي لبيب، أعاد كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي نشر الموقف الذي حدث بينه وبين محمد شرف، وعلّق البعض على الحكاية بكلمات مؤثرة، مثل:
“اللي اتنين فنانين وإنسانيين بمعنى الكلمة”.
“الله يرحم محمد شرف، وكان فعلاً يستاهل الدور”.
“لطفي لبيب كان راقي في كل حاجة، حتى في مواقفه”.
“اللي عمله لطفي لبيب مش هيتكرر”.
البعض قال إن هذه القصة تعكس معدن الفنان الحقيقي، الذي ليس فقط موهوب، ولكن أيضًا إنسان بمعنى الكلمة، يعرف قيمة زملائه حتى لو غابوا أو تعبوا.
بحسب ما قاله لطفي لبيب، فإن محمد شرف خضع وقتها لعملية دقيقة في المخ، وكان يتلقى العلاج في المستشفى، وبالتالي لم يكن قادرًا على الوقوف أمام الكاميرا أو التصوير، ولهذا اعتذر عن الدور، لكن زميله لبيب أصرّ على أن يحصل على أجره الكامل، رغم أنه لم يظهر في الفيلم.
هذا الموقف ليس شائعًا كثيرًا في الوسط الفني، لأنه لا توجد عقود تُلزم بدفع أجر لممثل لم يشارك في التصوير، لكن لبيب أصرّ، ونجح في إقناع جهة الإنتاج بذلك.
في أحد اللقاءات الأخيرة قبل وفاته، ظهر وهو يتحدث عن هذا الموقف، وقال إنه لم يندم لحظة على الشرط الذي وضعه، لأنه كان يعرف أن محمد شرف فنان كبير ويستحق التقدير حتى في غيابه.
لطفي لبيب نفسه كان يمر بحالة صحية صعبة منذ إصابته بجلطة في المخ عام 2017، والتي أثرت على يده وقدمه اليسرى، ورغم ذلك، ظل يشارك الجمهور بحكاياته وذكرياته حتى أيامه الأخيرة.
محمد شرف توفي في يوليو 2018، بعد صراع طويل مع المرض، وكان قبل وفاته قد ابتعد عن التمثيل بشكل تدريجي بسبب حالته الصحية، لكنه ظل في قلوب محبيه.
وبعد سنوات، في يوليو 2025، توفي الفنان لطفي لبيب، بعد معاناة طويلة مع المرض أيضًا، ليرحل الفنانان اللذان جمعتهما الإنسانية والحب والاحترام.
لكن المواقف النبيلة لا تُنسى، وقصة “دور راضي” في فيلم عسل أسود ستبقى واحدة من القصص التي تعبر عن احترام الفنانين لبعض، وعن أن هناك أشخاص في الوسط الفني يعرفون كيف يحبون ويحترمون ويقدرون بعضهم البعض مهما كانت الظروف.
لا الجمهور نسي محمد شرف، ولا هينسى لطفي لبيب، وكلما تُعرض أفلامهم ومسلسلاتهم، يتجدد الحنين، ليس فقط بسبب أدوارهم، ولكن أيضًا بسبب الروح التي كانوا يضعونها في كل عمل، والمواقف التي تظهر معدنهم الحقيقي.
ما فعله لطفي لبيب مع محمد شرف ليس مجرد موقف عابر، بل هو رسالة، بأن التقدير لا يكون فقط بالكلام، وإنما بالفعل.