وداع مؤثر لزياد الرحباني.. فيروز تودّع نجلها في جنازة حزينة وسط حشد جماهيري كبير

شكلت وفاة زياد الرحباني صدمة كبيرة لمحبيه في لبنان والعالم العربي، خاصة أن إبداعه الفني ارتبط لعقود بصوت والدته فيروز، وبأسلوبه الفريد في الموسيقى والمسرح والنقد السياسي والاجتماعي.

وداع مؤثر لزياد الرحباني.. فيروز تودّع نجلها في جنازة حزينة وسط حشد جماهيري كبير
وداع مؤثر لزياد الرحباني.. فيروز تودّع نجلها في جنازة حزينة وسط حشد جماهيري كبير

زياد، الذي وُلد في 1 يناير 1956، غادرنا يوم السبت عن عمر ناهز 68 عامًا، بعد صراع مع المرض، لكن أعماله ستظل شاهدة على شخصية فريدة في الإبداع الفني العربي الحديث.

وفاة زياد الرحباني… فيروز تودع ابنها في صمت مؤلم

شاركت السيدة، صباح الإثنين، في مراسم تشييع ابنها زياد الرحباني داخل كنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة بكفيا شمال شرق بيروت.

ظهرت إلى جانب ابنتها ريما، بهدوء ووجع واضح، في واحدة من المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الكاميرات خلال السنوات الأخيرة، لحظة الوداع كانت مؤثرة، وبدت فيها الأم المكلومة تحاول تماسكها وسط مشاعر ثقيلة وصمت طويل.

بدأت المراسم في ساعات الصباح بحضور أفراد من العائلة وعدد من الأصدقاء المقربين والشخصيات الفنية، في أجواء حزينة هيمنت على الكنيسة، بينما نُقل جثمان زياد من المستشفى إلى الكنيسة وسط حشد كبير من محبيه الذين اصطفوا لتوديعه بالورود والدموع.

جنازة زياد الرحباني… وداع جماهيري

أقيمت الجنازة وسط توافد جماهيري كبير من محبي زياد، حيث اصطف المئات أمام الكنيسة، وشاركوا في توديع فنان لطالما اعتبروه صوتًا مختلفًا وفكرًا مستقلاً، رافقت الورود والدموع نعش الراحل، في مشهد أكد أن حضوره ظل عميقًا في وجدان الناس حتى لحظة رحيله.

وكان من بين الحضور الفنانة كارمن لبس، التي تأثرت بشدة ودخلت في نوبة بكاء فور دخولها صالون الكنيسة، كارمن كانت من الوجوه القريبة من زياد فنيًا وإنسانيًا، وعبرت أكثر من مرة عن اعتزازها بما قدمه، ووصفت وفاته بأنها “خسارة لا تعوض”.

زياد الرحباني.. المبدع الذي قال كل ما لا يُقال

لم يكن زياد مجرد موسيقي، بل كان عقلًا حرًا وفنانًا قرر منذ بدايته أن يسير عكس التيار، في أعماله الموسيقية والمسرحية، استخدم أدوات الفن ليقول رأيه في كل ما يحيط به، من السياسة إلى الدين، ومن الطائفية إلى العائلة نفسها، وقد تميز بنقده الساخر والعميق للواقع اللبناني، وسخر في بعض أعماله من تناقضات الحياة اليومية، ومن التقاليد الاجتماعية والسياسية.

حتى أعمال والده عاصي الرحباني ووالدته فيروز، لم تسلم من نقده، خاصة في فترات شبابه، حين كان يسعى لكسر النمط وتقديم شكل جديد من الفن العربي.

بصمة موسيقية لا تُشبه أحدًا

اشتهر زياد الرحباني بأسلوبه الموسيقي الفريد الذي جمع بين التقاليد الشرقية والأصوات الغربية، وقدم ألحانًا معقدة وسينمائية الطابع، كما كتب كلمات حادة وساخرة في كثير من أعماله، من أشهر مسرحياته:

بالنسبة لبكرا شو.

فيلم أميركي طويل.

نزل السرور.

شي فاشل.

كما لحن لوالدته فيروز عددًا من الأغاني التي أصبحت علامات، مثل:

“كيفك إنت”.

“عودك رنان”.

“مش خايفة”.

وكانت هذه الأعمال تعكس فهمه العميق للوجدان العربي، وقدرته على الجمع بين الحزن والضحك، بين القسوة والحنين.

غياب طويل عن الأضواء بسبب المرض

في السنوات الأخيرة، تراجع ظهور زياد الرحباني إعلاميًا، وانشغل بحالته الصحية التي أثرت على إنتاجه الفني، ومع ذلك، بقيت أعماله القديمة تُتداول وتُعرض، ويُعاد الاستماع إليها وكأنها كُتبت اليوم، لما فيها من صدق وعمق واستشراف للمستقبل.

وأثار مرضه قلق محبيه، خاصة مع قلة التصريحات حول حالته، وبقائه بعيدًا عن المقابلات والظهور المباشر، لكن الجميع كان يدرك أن زياد، وإن صمت، فإن فنه ما زال يتكلم بصوت عالٍ.

فيروز وطلب خاص قبل الوداع

كشفت الإعلامية نضال الأحمدية أن السيدة فيروز وابنتها ريما طلبتا لقاء خاصًا مع الراحل قبل مراسم التشييع، وقالت عبر منشور على “فيسبوك”: “طلبت الأم الحزينة فيروز أن تلتقي وابنتها ريما مع زياد وحدهما قبل الانتقال إلى صالون الكنيسة.. وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان”، في إشارة إلى لحظة وداع خاصة جدًا، جمعت فيروز بابنها الفنان الذي كان الأقرب إلى قلبها فنيًا وفكريًا

من هو زياد الرحباني؟

ولد زياد عام 1956 في بيئة موسيقية بامتياز، فهو ابن الأسطورة فيروز والملحن الكبير عاصي الرحباني، بدأ مشواره في سن مبكرة، وظهر أول مرة على الساحة كمؤلف موسيقي في مسرحية “ميس الريم”، وسرعان ما أثبت موهبته الفريدة، ليصبح أحد أهم الأسماء في عالم الموسيقى والمسرح العربي الحديث.

عُرف بمواقفه السياسية الجريئة، وتعاطفه مع قضايا الفقراء، وانحيازه للناس البسطاء، الذين خاطبهم في أعماله بصدق ومن دون تجميل، وقد أثرى المسرح السياسي بالكوميديا السوداء، وبقي صوته ناقدًا رغم كل التحديات.

خسارة فنية وثقافية لا تعوّض

بوفاة زياد الرحباني، يخسر العالم العربي واحدًا من أعمدة الفن الحقيقي، وصوتًا صادقًا خرج من قلب بيروت ليصل إلى كل بيت عربي، فنان لم يكن يسعى إلى النجومية بقدر ما كان يريد أن يقول ما يعتقد أنه الحقيقة، وأن يُضحك الناس من وجعهم، ويمنحهم أملًا عبر نغمة أو كلمة أو مشهد مسرحي.