يواجه سوق الهواتف المحمولة في مصر أزمة غير مسبوقة تهدد بإغلاق المحلات وتكبيد التجار والمواطنين خسائر فادحة، حيث جاءت هذه الأزمة نتيجة قرارات مفاجئة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والتي تقضي بفرض رسوم جمركية بأثر رجعي على أجهزة الموبايل التي تم تفعيلها مسبقًا داخل البلاد، وقد ارتفعت أصوات التجار والمواطنين بالشكوى والاستغاثة، ليصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بيانًا توضيحيًا بشأن “مستجدات إجراءات منظومة حوكمة التليفون المحمول”.
شهدت الأيام الأخيرة حالة من الغضب والارتباك بين المواطنين وتجار الهواتف المحمولة، حيث فوجئ البعض بإيقاف أجهزتهم عن العمل وتلقي إشعارات تطالبهم بدفع جمارك على هواتف يمتلكونها منذ فترة طويلة، أو تلك التي جلبوها من الخارج وتم تفعيلها بالفعل بشريحة مصرية.
عبرت السيدة رانيا يحيى، إحدى المتضررات، عن استيائها الشديد عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، حيث تساءلت: “حد فاهم إيه ده؟! الموبايل موقوف من امبارح، دلوقتي ظهر شبكة Orange وأنا مش بستخدم Orange أصلاً والشرايح الأصلية ما اشتغلتش”، تعكس هذه الواقعة حالة الفوضى وعدم وضوح الرؤية التي يعاني منها المستخدمون.
تحول الأمر إلى “نداء استغاثة” جماعي من تجار الموبايلات، الذين أطلقوا حملة عاجلة تحت وسوم مثل #مش_هندفع_الضريبة_دي و #قرار_ظالم، موجهين رسالتهم مباشرة إلى رئيس الجمهورية، حيث يرى التجار أن هذه القرارات “بأثر رجعي” غير مفهومة وغير عادلة.
يوضح أحد المنشورات المتداولة حجم الأزمة: “تجار الموبايلات بيوتها بتتخرب، محلاتنا بتتقفل، كلنا بنخسر خساير فادحة، ما حدش يقدر على مقاومة هذه الخساير بسبب القرارات اللي بأثر رجعي ليه؟!”، هذا التعبير يلخص مدى اليأس الذي وصل إليه أصحاب المحال التجارية الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
“يعني إيه أدفع على جهازي اللي شغال من زمان؟!”، تتركز الشكوى الرئيسية حول مفهوم “الأثر الرجعي” للقرار، حيث قرر الجهاز القومي للاتصالات فجأة أن الأجهزة التي “اشتغلت قبل كده واتحط فيها شريحة مصرية، تتحاسب من جديد وتدفع جمارك”، مما يعني أن المواطن الذي اشترى هاتفًا أو جلبه من الخارج منذ سنوات وتم تفعيله قانونيًا، أصبح مطالبًا فجأة بسداد رسوم إضافية، وإلا فسيتم إيقاف جهازه.
وتعقب رانيا يحيى على ذلك متسائلة: “يعني إيه أدفع على جهازي اللي شغال من زمان؟! يعني إيه ترجع تحاسبني بأثر رجعي؟! دي مش تنظيم اتصالات… دي طريقة جديدة لسحب فلوس الناس!”
لم تقتصر القرارات الجديدة على فرض رسوم إضافية، بل امتد تأثيرها ليشمل توقف الأجهزة وإيقاف الخطوط، مما يعرقل حياة الناس اليومية وقدرتهم على التواصل والعمل، حيث قال أحد المواطنين: “الناس سافرت بأجهزتها ورجعت لقت نفسها مطالبة بدفع جمارك من أول وجديد… ناس معاها تليفونات من سنين، وفجأة بيجيلها إشعار تدفع… الأجهزة اتقفلت وخطوط اتوقفت والناس مش عارفة تشتغل”، هذا ما ورد في الاستغاثة، مبرزًا الشلل الذي أصاب جزءًا كبيرًا من المستخدمين.
رأي تاجر موبايلات: “كارثة حقيقية تدمر الثقة وتغلق أبواب الرزق”، في حديث لـ «نبأ مصر»، عبّر السيد أحمد حسني، صاحب محل “الموبايل سنتر” بمنطقة المهندسين، عن قلقه البالغ: “هذه القرارات كارثة حقيقية لا تضر التاجر فقط، بل تدمر الثقة بين المستهلك والدولة، وتغلق أبواب رزق مئات الآلاف من العاملين في هذا القطاع، نحن نعمل وفقًا للقوانين المعمول بها، فكيف يمكن أن نفاجأ برسوم على بضاعة بيعت منذ أشهر أو سنوات، أو على هواتف يمتلكها المواطن بشكل قانوني؟ هذا يجعلنا نخسر زبائننا، ويجعل المستهلك يخاف من الشراء أو حتى السفر بهاتفه”.
وأضاف حسني: “المواطن أصبح الضحية في كل قرار جديد، وقطاع تجارة الموبايلات، الذي كان مزدهرًا، أصبح يواجه خطر الانهيار، نطالب بإلغاء هذا القرار فورًا، أو على الأقل تعديله بحيث لا يكون بأثر رجعي، مع توضيح آليات تسجيل الهواتف المستوردة بشكل يضمن الشفافية وعدم الإضرار بالمواطن والتاجر”.
في ظل الجدل الدائر، أصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (NTRA) بيانًا توضيحيًا حول “مستجدات إجراءات منظومة حوكمة التليفون المحمول”، حيث أكد الجهاز على استمرار الإعفاء لجهاز تليفون محمول يتم دخوله للبلاد بصحبة راكب من خلال الدوائر الجمركية، وذلك خلال الفترة التجريبية لمنظومة حوكمة التليفون المحمول، وأشار إلى أنه تم إعفاء نحو 650 ألف جهاز محمول بصحبة راكب منذ بداية العام وحتى تاريخه.
وبرر الجهاز وقف بعض الأجهزة بأنه جاء في ضوء المتابعة الدورية لمنظومة الحوكمة، حيث تم رصد “عدد من حالات التلاعب والاحتيال” في هذا الشأن، وذكر البيان أنه تم وقف نحو 60 ألف جهاز للاشتباه في عدم استحقاقها للإعفاء، وذلك لحين انتهاء إجراءات الفحص.
وأوضح الجهاز أنه بعد دراسة وتحليل تلك الحالات، تم التأكد من وجود “حالات تلاعب واحتيال لعدد 13 ألف جهاز حصلت على إعفاءات بطرق غير مشروعة وبالمخالفة للإجراءات التنظيمية”، مؤكدًا على استمرار وقف هذه الأجهزة، وعلى الجانب الآخر، أفاد الجهاز بأنه تم التأكد من “مشروعية استحقاق عدد 47 ألف جهاز محمول للإعفاء”، وقد تم إعادة تشغيل تلك الأجهزة بالفعل.
دعوات للمقاطعة ورفض الدفع: في ختام منشورها، دعت رانيا يحيى المواطنين إلى عدم دفع هذه الضريبة، مؤكدة: “اللي بيحصل دلوقتي مش حق عليك… فيه قرار جديد اتطبق بأثر رجعي وده ظلم صريح، لو سكتنا ودفعنا، هنكون بنشجعهم على أنهم يكرروا نفس اللي بيعملوه، اتكلم… طالب بحقك… وابدأ قول لأ”.
تبقى الأنظار متجهة نحو الجهات المعنية للاستجابة لهذه الاستغاثات وتوضيح الموقف بشكل كامل وشفاف يطمئن السوق والمواطنين، في ظل تصاعد حدة الأزمة التي تهدد مستقبل سوق الموبايلات المصري.