رحيل زياد الرحباني يغلق فصلًا من عبقرية الموسيقى العربية الفريدة

رحيل زياد الرحباني صباح السبت أحدث صدمة كبيرة في الوسط الفني اللبناني والعربي، فقد توفي الفنان اللبناني عن عمر يناهز 69 عامًا، بعد مسيرة فنية استثنائية مليئة بالعطاء والابتكار في مجالات الموسيقى والمسرح والكلمة.

رحيل زياد الرحباني يغلق فصلًا من عبقرية الموسيقى العربية الفريدة
رحيل زياد الرحباني يغلق فصلًا من عبقرية الموسيقى العربية الفريدة

انتشر الخبر بسرعة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحولت المنصات إلى دفتر عزاء ينعى فيه العرب أحد ألمع الفنانين وأكثرهم تأثيرًا في تاريخ الفن الحديث.

وفاة زياد الرحباني تهز الوسط الفني اللبناني والعربي

منذ اللحظات الأولى لإعلان وفاته، تصدّر اسم زياد الرحباني محركات البحث ومنصات الأخبار، فقد فقد العالم العربي فنانًا شاملاً ترك بصمته على كل من اقترب من موسيقاه أو شاهد أعماله المسرحية.

لم يكن زياد مجرد موسيقي أو ملحن، بل كان صوتًا ناقدًا ومثقفًا يُعبّر عن هموم الناس بلغة بسيطة وساخرة، ويواجه الواقع اللبناني والعربي بجرأة وبدون تجميل.

زياد، ابن السيدة فيروز والملحن الكبير عاصي الرحباني، وُلِد عام 1956 في بيت فني فريد، وعند أول اختبار حقيقي لموهبته، كتب ولحّن أغنية “سألوني الناس” لوالدته وهو في السابعة عشرة من عمره، عندما كان والده في المستشفى، لتكون بداية لمسيرة فنية استثنائية امتدت لعقود.

رحيل صامت لصاحب الصوت الصاخب في وجه القهر

تميز زياد الرحباني بأسلوب فني فريد، وجريء في طرحه، مختلف عن السائد، لم يكن يخشى الاصطدام بالسلطة أو الأعراف، فأعماله لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت حالة من التمرّد الفني والسياسي والاجتماعي.

كتب مسرحيات مثل “فيلم أميركي طويل”، و”بالنسبة لبكرا شو”، و”سهرية”، ناقش فيها قضايا الحرب والطائفية والانقسام بأسلوب ساخر وعميق.

وفي الوقت الذي لجأ فيه كثير من الفنانين للحياد أو التجميل، كان زياد واقعياً حتى النخاع، مؤمنًا بأن الفن الحقيقي يجب أن يعكس الحياة كما هي، بلا أقنعة.

موسيقى زياد الرحباني.. لغة لا تحتاج إلى ترجمة

خلال مسيرته، لم يكن زياد ملحنًا تقليديًا، بل مزج بين الشرقي والغربي، وبين الجاز والموسيقى العربية، وكتب ألحانًا تعتبر من أيقونات الغناء الحديث.

ومن أبرز أعماله مع السيدة فيروز: “أنا عندي حنين”، “البوسطة”، “عندي ثقة فيك”، “سلملي عليه”، و**”ضاق خلقي”**، وغيرها من الأغاني التي لا تزال تتردد في كل بيت عربي

وعلى الرغم من كونه ابن أسرة فنية مشهورة، إلا أن زياد صنع لنفسه اسمًا لا يقل أهمية عن والديه، بل تميّز بلون خاص به، أقرب إلى الشارع وأعمق في التعبير عن هموم الجيل الجديد.

زياد في المسرح.. صوته وفكرته وصورته

على خشبة المسرح، لم يكن زياد مجرد كاتب أو مخرج، بل كان أحيانًا ممثلًا أيضًا، كما حدث في “المحطة” و”ميس الريم” بدور الشرطي، لم يكن يهتم كثيرًا بالإبهار البصري أو الديكورات، بل كان يركز على النص والحوار والفكرة والرسالة.

وقد وصفه كثيرون بأنه “ضمير بيروت”، لأنه لم يتوانَ عن انتقاد الواقع السياسي والاجتماعي والديني، في زمن كان الصمت فيه أسهل بكثير من الكلام.

الوداع الأخير.. زياد يرحل بعد صراع مع المرض

في السنوات الأخيرة، غاب زياد عن الساحة الفنية تدريجيًا، بعد معاناته من تدهور صحي، لم يظهر كثيرًا، لكن حضوره ظل قويًا في نقاشات الناس وذكرياتهم مع مسرحياته وأغانيه.

ومع خبر وفاته، سادت حالة من الحزن والصدمة، ليس فقط في لبنان، بل في كل بيت عربي عرف قيمة هذا الفنان.

وزارة الثقافة اللبنانية تنعي الراحل بكلمات مؤثرة

وفي بيان رسمي، نعى وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو الفنان زياد الرحباني، مؤكدًا أن “الراحل كان أحد أبرز مبدعي العالم العربي، واسمًا لامعًا في الموسيقى والمسرح، امتد أثره من بيروت إلى كل بيت عربي”.

وتوجّه الوزير بالعزاء إلى السيدة فيروز وأسرة الراحل ومحبيه، مؤكدًا أن خسارة زياد ليست فنية فقط، بل إنسانية وثقافية من الدرجة الأولى.

علاقاته الشخصية.. بين الفن والحب

بعيدًا عن المسرح والموسيقى، عُرف زياد بعلاقاته العاطفية التي تناولتها الصحافة كثيرًا، تزوّج من السيدة دلال كرم ثم انفصلا لاحقًا، ودخل في علاقة طويلة مع الفنانة اللبنانية كارمن لبّس استمرت نحو 15 عامًا، قبل أن ينفصلا أيضًا.

ومع ذلك، ظل زياد يحتفظ بمساحة شخصية لا يقترب منها إلا القليل، كان إنسانًا معقدًا لكنه صادق، حادًّا لكنه محبوب، ساخرًا لكنه حساس.

إرث لا يُنسى.. وغياب لا يُعوّض

برحيل زياد، خسر العالم العربي مدرسة فنية متكاملة، شخصٌ كان يرى في الفن وسيلة لتغيير الواقع، لا مجرد وسيلة ترفيه، غيابه لا يمكن تعويضه، لكن أعماله ستبقى شاهدة على عبقريته، وستظل تُدرس وتُستلهم منها الأجيال القادمة.

وربما أفضل وداع يمكن تقديمه له، هو أن نُعيد الاستماع لأعماله، أن نضحك من مسرحياته، ونفكر في رسائله، وأن نحافظ على الفن النظيف الذي كان يؤمن به.