الأقسام: أخبار العالم

معاناة الأطفال في غزة.. كيف يدفعون ثمن الحروب قبل أن يفهموا معانيها؟

كتبت ـ هايدي عماد الدين.

معاناة الأطفال في غزة.. كيف يدفعون ثمن الحروب قبل أن يفهموا معانيها؟

لا يوجد ما هو أكثر قسوة من أن يولد طفل في قلب النار، وأن تفتح عينيه على أصوات الانفجارات بدلاً من ضحكات اللعب، أطفال يتعلمون أسماء الشهداء قبل أن يتعلموا الحروف الأبجدية، الطفولة ليست مجرد مرحلة عمرية بل هي حرب يدفعون ثمنها قبل أن يدركوا معانيها.

في قطاع غزة، والضفة الغربية، وحتى في مخيمات اللجوء، يعيش أطفال فلسطين تحت القصف والخوف المستمر، كل يوم تُسرق منهم طفولتهم دون أن يشعروا بها كما يشعر بها باقي الأطفال، لا توجد منازل آمنة لهم، يعيشون في خوف دائم من فقدانها.

أطفال أحلامهم تتلاشى قبل أن يُتيح لهم رسمها، لا ضحكات تكتمل، ولا عيون تنام مطمئنة، القصف لا يستأذن، والسماء ليست زرقاء، والليل لا يحمل الحكايات بل يسرقها، الطفولة هناك ليست حقاً بل ترفاً ممنوعاً، ترفاً يُصادر كل صباح مع أول صرخة وأول ركام، وبين صمت العالم وهدير الطائرات، يضيع جيل لا يريد أكثر من الحياة.

في غزة، يعيش الأطفال في عالم لا يشبه طفولتهم التي حلموا بها، أصوات الانفجارات لا تفارق آذانهم، لا يوجد ضحك أو لعب، بل خوف دائم يعتري القلوب الصغيرة التي لم تفهم لماذا تحولت حياتهم إلى كابوس.

اللعب ممنوع.. والقصف مستمر

في كل عدوان تشنه قوات الاحتلال، يكون الأطفال هم الضحايا الأكثر عدداً وتأثيراً، فقد سجلت خلال الحرب مئات الحالات من مقتل وإصابة أطفال، بعضهم استشهد وهو يحتضن دميته، وآخرون فقدوا تحت أنقاض منازلهم.

وفي كل حي فلسطيني، يمكن أن تجد لوحة على الحائط باسم طفل لم يتجاوز العاشرة، قُتل وهو يشتري خبزاً، أو يرافق والدته، أو يلهو أمام بيته، هؤلاء لم يكونوا مقاتلين، بل أطفالاً أرادوا أن يعيشوا فقط.

لا يتوقف الأمر عند القصف والموت، بل يمتد إلى الآثار النفسية، اضطرابات نوم، خوف دائم، وفقدان الشعور بالأمان، التي تصيبهم عند سماع أصوات الانفجارات والصواريخ.

تقول أم فلسطينية فقدت طفلها: «كان يختبئ تحت السرير كلما سمع صوت طائرة، مات وهو خائف، ولم يعرف يوماً كيف يبدو الأمان».

حين يحل العيد في معظم أنحاء العالم، تمتلئ الشوارع بضحكات الأطفال وألوان الملابس الجديدة وفرحة اللقاءات العائلية، لكن أطفال فلسطين يعيشون عيداً مختلفاً تماماً، بدلاً من الفرح والاحتفال، يغمرهم الحزن والخوف وفقد أفراد أسرهم، يستيقظون على فقد آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم، كثير منهم لا يجدون لباس العيد الجديد ليحتفلوا به، ولا ألعاباً تبهج قلوبهم الصغيرة، فكل شيء حولهم يحكي قصة ألم ودمار، العيد بالنسبة لهم هو ذكرى أولئك الذين فقدوا، وألم الغياب، واشتياق لطفولة مسروقة.

«نفسي أرجع ألبس فستان العيد.. بس ماما بتقول العيد ما عادش بييجي».

وفي ظل الحصار وتدهور الأوضاع الاقتصادية، يواجه الأطفال مشكلة نقص الغذاء، حيث تُحرم أجسادهم الصغيرة من الغذاء الكافي، مما يؤدي لتزايد معاناتهم وسط ظروف الحياة القاسية، في كل وجبة بسيطة توزع في المخيمات أو الملاجئ، تلمع عيونهم المرهقة بآمال صغيرة بأن يُشبعوا جوعهم ليس فقط للجسد، بل لدفء الحياة التي تليق بهم كبشر يستحقون السلام والكرامة.

الليل ليس وقتاً للراحة.. بل موعد آخر مع الرعب

في غزة، لا أحد يطمئن حين يأتي الليل، فبين ظلمة السماء وصوت الطائرات، يصبح كل شيء هشاً حتى الأحلام، الأطفال هناك لا ينامون بعمق، بل ينامون على الأرض في الخيام، في الزوايا الباردة، بين ذراعين خائفتين أو وحدهم يغمضون أعينهم متوقعين أن لا يفتحوها أبداً، الخوف ليس شعوراً عابراً بالنسبة لهم، بل الخوف هو الغطاء، هو السقف، هو صوت كل شيء حولهم.

طفولة تُنهب كل يوم بين كل انفجار وآخر، ينتزع جزء جديد من طفولتهم، طفولة لا تعرف طعم الأمان، ولا شكل المدرسة المستقرة، ولا نداء الأم المطمئن، كل ما يملكونه هو الخوف والانتظار والحنين لأشياء لم يعيشوها في الأصل، يُحرمون من أبسط حقوقهم: اللعب والدراسة والنوم والحياة نفسها، بدلًا من رسم الألوان، يرسمون البيوت المحطمة والناس الباكية، في دفاترهم لا توجد شمس، بل دخان، وفي خيالهم، لا يوجد أعياد، بل أصوات إسعاف.

العلامات: أطفال غزة في مواجهة المعاناة أطفال فلسطين الأطفال في غزة الحرب غزة