تعتبر قاعدة العديد الجوية أكثر من مجرد منشأة عسكرية، فهي تمثل نقطة تمركز استراتيجية محورية للولايات المتحدة في قلب الخليج، وتعمل كمحطة متقدمة تقود منها واشنطن عملياتها في الشرق الأوسط وآسيا.
تغيرت ملامح قاعدة العديد الجوية مرارًا منذ إنشائها، لتصبح اليوم بمثابة عصب للعمليات العسكرية الأمريكية ضد الإرهاب، وللتعامل مع التهديدات الإقليمية المتزايدة، خاصة من جانب.
تقع قاعدة العديد الجوية على بُعد 30 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة القطرية الدوحة، في قلب منطقة صحراوية لكنها متصلة بشبكة بنية تحتية قوية.
تضم القاعدة أطول مدرج للطائرات في منطقة الخليج العربي، حيث يصل طوله إلى 5 كيلومترات، مما يمنحها قدرة فائقة على استقبال الطائرات العملاقة وطائرات الشحن والمقاتلات المتقدمة على حد سواء.
تعد القاعدة أكبر قاعدة أمريكية في قطر، وهي أيضًا واحدة من أبرز المراكز العسكرية خارج الأراضي الأمريكية، وتحتوي على عدة مقار قيادية حساسة على مستوى القيادة الأمريكية الوسطى.
بحسب وثيقة رسمية منشورة عبر مكتبة الكونغرس الأمريكي في نوفمبر 2022، فإن معظم الأفراد العسكريين الأمريكيين المنتشرين في قطر يتمركزون في قاعدة العديد، وتحديدًا من سلاح الجو الأمريكي.
تستضيف القاعدة:
القيادة المركزية الأمريكية المتقدمة (USCENTCOM).
القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية المتقدمة (AFCENT).
قيادة العمليات الخاصة الأمريكية المتقدمة.
قوة المهام المشتركة بين الوكالات – سوريا.
مركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC).
الجناح الجوي 379 التابع لسلاح الجو الأمريكي.
تشير هذه الهيئات والقيادات إلى أن قاعدة العديد ليست مجرد مركز تمركز، بل عقل عملياتي عسكري متقدم ينظم ويوجه العمليات الأمريكية في عدة جبهات، بدءًا من العراق وسوريا، ووصولاً إلى الخليج العربي وآسيا الوسطى.
يشارك الأفراد العسكريون الأمريكيون المنتشرون في قطر في عمليات كبرى، أبرزها عملية العزم الصلب (OIR)، وهي الحملة العسكرية المستمرة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا.
توفر القاعدة أيضًا إمكانيات استخباراتية ولوجستية عالية المستوى، وتضم مركز قيادة متطورًا يعتمد على التكنولوجيا الحديثة في رصد وتتبع الأهداف وتوجيه الضربات الجوية.
تنتشر في القاعدة بعض من أكثر الطائرات الأمريكية تطورًا، من بينها طائرات الشبح F-22 وF-15، وطائرات الإنذار المبكر والتزود بالوقود، مما يعزز من قدرة القوات الأمريكية على تنفيذ عمليات متقدمة وسريعة في حال حدوث أي تصعيد إقليمي.
رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الجهة المشغلة لقاعدة العديد، فإن دولة قطر تتحمل الجزء الأكبر من تكاليف الإنشاء والتشغيل والتوسعة.
ووفق الوثائق الأمريكية، فقد موّلت قطر أكثر من 8 مليارات دولار لدعم العمليات الأمريكية وعمليات التحالف في القاعدة منذ عام 2003 وحتى نهاية 2022، وتشمل هذه التمويلات الإنشاءات العسكرية والمرافق والبنية التحتية.
في يناير 2019، وقّعت وزارة الدفاع القطرية مذكرة تفاهم مع وزارة الدفاع الأمريكية تضمنت التزامًا رسميًا من قطر بدفع تكاليف الاستدامة والبنية التحتية المستقبلية للقاعدة.
وصفت وزارة الدفاع الأمريكية الاتفاق حينها بأنه “خطوة إيجابية نحو تطوير وتعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين”.
ضمن خطوات التطوير، توسع التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وقطر ليشمل إنشاء مساكن ومنشآت دائمة للقوات الأمريكية في القاعدة، مما يعكس طابع الاستقرار طويل المدى للوجود العسكري الأمريكي هناك.
أشارت التقارير الأمريكية إلى أن هذه التوسعة تهدف إلى تعزيز جودة حياة الجنود وتوفير بنية دعم متكاملة تشمل خدمات الإعاشة والترفيه والصحة والتدريب، مما يجعل القاعدة شبه مكتفية ذاتيًا، وقادرة على التعامل مع أي طارئ عسكري دون الحاجة للرجوع إلى منشآت أخرى خارج قطر.
وجود أكبر قاعدة أمريكية في قطر لا يقتصر على البعد العسكري، بل يتجاوز ذلك إلى بُعد سياسي واستراتيجي شديد الحساسية.
تشكل القاعدة ضمانة أمنية ضمنية لحماية قطر من التهديدات الخارجية، كما تعكس عمق الشراكة الدفاعية بين الدوحة وواشنطن.
برز هذا الدور خلال عدد من الأزمات الإقليمية، أبرزها أزمة الخليج في 2017، حيث لعبت القاعدة دورًا في طمأنة حلفاء واشنطن بشأن استمرارية الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه المنطقة.
تمثل قاعدة العديد اليوم أكبر قاعدة أمريكية في قطر، وإحدى أبرز مراكز القوة العسكرية الأمريكية خارج حدودها.
تجمع بين القيادة، والسيطرة، والتكنولوجيا، والتعاون الدولي، والبنية التحتية المتقدمة، مما يمنحها موقعًا لا غنى عنه في استراتيجيات الأمن الإقليمي.
رغم ما تشهده المنطقة من تغيرات، تبقى قاعدة العديد عنصرًا ثابتًا في معادلة الردع والتأثير، سواء في مواجهة تهديدات كبرى كإيران، أو في إدارة الحملات العسكرية ضد التنظيمات المتطرفة، أو في بناء تحالفات أمنية أوسع تضم الشركاء الخليجيين والدوليين.