عاد سؤال “هل يوجد قواعد أمريكية في السعودية؟” ليتصدر محركات البحث ومنصات النقاش بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قواعد أمريكية في قطر والعراق، وذلك ردًا على الضغوط التي تعرضت لها منشآت نووية إيرانية.
سلط التصعيد الأخير الضوء مجددًا على حجم وطبيعة الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، خاصة في الأراضي التي تمثل محورًا استراتيجيًا مهمًا في خارطة النفوذ الأمريكي بالمنطقة.
أعلن الحرس الثوري الإيراني مساء الاثنين عن تنفيذ هجوم صاروخي قوي على قاعدة العديد الجوية في قطر، والتي تُعد من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
أكد التلفزيون الإيراني الرسمي العملية، مشيرًا إلى أنها تأتي في سياق الرد على “العدوان الأمريكي على سيادة إيران” حسبما ورد في البيان.
بينما كانت الأنظار تتجه نحو الدوحة وبغداد، عاد التساؤل القديم الجديد: هل يوجد قواعد أمريكية في السعودية؟ خاصة في ظل المخاوف الإيرانية من استخدام أراضي الخليج لشن أي هجمات أمريكية أو إسرائيلية ضدها
تعود جذور الوجود الأمريكي في الخليج إلى عقود مضت، لكنها ترسخت أكثر بعد الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) وما عُرف بـ”حرب الناقلات” عندما بدأت واشنطن في إرسال قطع بحرية لحماية ناقلات النفط.
ثم جاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 ليشكل نقطة تحول حاسمة، حيث قادت الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًا ضمن عملية عاصفة الصحراء، واستقرت بعدها اتفاقيات أمنية ودفاعية مع عدة دول خليجية.
منذ ذلك الحين، أصبح الوجود الأمريكي في المنطقة واقعًا دائمًا، رغم اختلافه من دولة لأخرى من حيث الشكل والمضمون، بما في ذلك السعودية.
الإجابة المباشرة هي: نعم، توجد قواعد أمريكية في السعودية، ولكنها ليست دائمة بالشكل التقليدي، بل مرنة ومتغيرة حسب الحاجة
القاعدة الرئيسية: الأمير سلطان الجوية
يُعد مطار الأمير سلطان الجوي الواقع جنوب الرياض أحد أبرز المواقع التي احتضنت القوات الأمريكية منذ عام 1991.
وخلال الحرب ضد العراق، بلغ عدد القوات الأمريكية في السعودية نحو 550 ألف جندي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المملكة.
ورغم الانسحاب الأمريكي في 2003، الذي شمل نقل أغلب المعدات العسكرية إلى قاعدة العديد في قطر، عاد الوجود الأمريكي إلى السعودية في عام 2019 عقب الهجمات على منشآت أرامكو في بقيق وخريص، حين سمحت الرياض بإعادة نشر قوات أمريكية لتعزيز الدفاعات الجوية.
وبحسب منظمة مشروع الأمن الأمريكي، تم نشر ما لا يقل عن 1800 جندي أمريكي في قاعدة الأمير سلطان الجوية بحلول نهاية عام 2019، وتم تعزيز القاعدة بمنظومات دفاع جوي مثل باتريوت وثاد.
وفقًا لبيانات نشرتها وسائل إعلام أمريكية حتى نهاية 2023، ومنها موقع “أكسيوس”، يُقدّر عدد الجنود الأمريكيين في السعودية بنحو 2700 جندي، يتمركزون في مواقع عسكرية تقدم الدعم الفني واللوجستي، وتعمل بالتنسيق مع القوات المسلحة السعودية.
ومع ذلك، فإن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لا تُفصح دائمًا عن التفاصيل الدقيقة، مشيرة إلى أن ذلك يخضع لمتطلبات الأمن العملياتي.
في أعقاب تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل في أكتوبر 2024، حذرت طهران بشكل صريح دول الخليج من السماح باستخدام أجوائها أو قواعدها العسكرية لأي هجوم على إيران، واعتبرت ذلك بمثابة عمل عدائي يستوجب الرد.
وكشفت وكالة “رويترز” آنذاك عن ضغوط مارستها دول خليجية على واشنطن لمنع إسرائيل من شن أي هجمات من أراضي الخليج، في محاولة لتجنب ردود إيرانية قد تستهدف منشآتها النفطية أو الحيوية.
الرفض الإيراني للوجود الأمريكي في الخليج ليس وليد اللحظة، بل يمتد لسنوات طويلة، حيث صرح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن الخليج يمكن أن يُدار بتعاون دول المنطقة، وأن وجود القوات الأجنبية هو السبب الرئيسي للتوترات المستمرة.
كما قال قياديون في الحرس الثوري مرارًا إن “المنطقة ستكون أكثر أمانًا بدون وجود القوات الأمريكية”، وإن على هذه القوات مغادرة المنطقة فورًا.
من المهم التمييز بين “قاعدة عسكرية أمريكية ثابتة” و”شراكة عسكرية متحركة”.
بينما تملك الولايات المتحدة قواعد واضحة المعالم مثل قاعدة العديد في قطر أو الظفرة في الإمارات، فإن وجودها في السعودية يُصنف ضمن التعاون الدفاعي وليس الاحتلال المباشر لمساحة أرض.
هذا التعاون يتضمن التدريب، الدعم اللوجستي، استخدام القواعد عند الحاجة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وكلها عناصر تجعل الوجود الأمريكي نشطًا لكنه “غير دائم ظاهريًا”، وهو ما يخفف من حساسية الرأي العام السعودي والإقليمي تجاه هذه المسألة.
عند التوجه بالسؤال إلى القيادة الوسطى الأمريكية (CENTCOM)، الجهة المسؤولة عن العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، أكدت أن “الوجود الأمريكي في السعودية يخضع لمتطلبات المهمة”، وأن القوات تقوم بمهام تدريبية واستشارية لدعم الأمن المشترك بين البلدين.
ومع ذلك، لم توضح القيادة عدد القوات الأمريكية الحالي، مكتفية بالتأكيد على “المرونة والتغيير المستمر حسب الظروف الإقليمية”.
بناءً على المعطيات والمصادر العسكرية والسياسية، نعم، يوجد وجود عسكري أمريكي في السعودية، يتمركز بالأساس في قاعدة الأمير سلطان الجوية.
هذا الوجود ليس دائمًا بالشكل الذي تراه في دول خليجية أخرى، لكنه مرن وتعاوني ويُعاد تشكيله حسب الظروف.
السعوديون يستفيدون من هذا الوجود في تعزيز دفاعاتهم الجوية، في وقت تعصف فيه التهديدات الإقليمية بالمشهد الأمني.
إيران تعتبر أي وجود أمريكي تهديدًا مباشرًا، وتربط بين هذا الوجود وأي تصعيد ضد مصالحها.
ومع تصاعد الأحداث في المنطقة، يبدو أن السؤال: هل يوجد قواعد أمريكية في السعودية؟، سيبقى مطروحًا باستمرار، مع تغيّر الإجابة وفق الظروف، والتوازنات، والمواقف الإقليمية والدولية