رغم التحديات الجيوسياسية التي واجهت العلاقات بين باكستان وإسرائيل مؤخرًا، شهدت تلك العلاقات تحولًا من خصمين تبادلا القصف بالصواريخ إلى حليفين، حيث وحدتهما تل أبيب، مما يثير تساؤلات استراتيجية عميقة حول توجهات إسلام آباد الجديدة في ظل الضغوط الغربية ومواقفها المترددة.
باكستان وإيران.
أعلنت الحكومة الباكستانية مؤخرًا دعمها الكامل لإيران في مواجهة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وهو موقف سياسي يعكس تصاعد التوتر الإقليمي والمخاوف من توسّع دائرة الصراع، حيث اندلعت الاحتجاجات في كراتشي ولاهور وبيشاور وإسلام آباد بعد الضربة الإسرائيلية، وخرجت حشود غاضبة إلى الشوارع تلوّح بأعلام إيران وفلسطين وتحرق رموزًا إسرائيلية، مما يمثل بالنسبة لكثيرين في باكستان مواجهة روحية وتاريخية وأيديولوجية، وامتدادًا لصراع بدأ عام 1947 حين وُلدت باكستان من رحم الهوية الإسلامية ورفضت الاعتراف بدولة إسرائيل.
بعد بدء الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ظهرت تعارضات وتناقضات في مواقف السلطات الباكستانية حيال الحرب بين إيران وإسرائيل، حيث تأرجحت المواقف بين قرار داعم لإيران في حربها ضد إسرائيل وتحذيرات شديدة للدول الإسلامية بضرورة دعم إيران، وبين إغلاق الحدود مع إيران وتصريحات تنفي أي تواصل معها منذ بداية الحرب، مما يعكس موقفًا متناقضًا لدعوتها الدول الإسلامية لدعم إيران في هذه الحرب، بينما تختتم بتصريح دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام بعد نجاحه في وقف الحرب بين الهند وباكستان.
الحرب بين إسرائيل وإيران.
جاء الموقف الباكستاني نتيجة حسابات أمنية وعسكرية دقيقة، حيث تواصل إسلام آباد تعزيز قدراتها الدفاعية، مستندة إلى تفوقها في مجالي الحرب الإلكترونية والقدرات الصاروخية، مؤكدة على التزامها بموقفها الثابت برفض الاعتراف بـ”إسرائيل”، وسط مخاوف غير معلنة من أن تصبح هي الأخرى هدفًا محتملاً في حال تطور المواجهة إلى نزاع إقليمي شامل.
أطلقت الحكومة الباكستانية دعوات ملحة للتحرك على المستوى الإسلامي، حيث حث وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، منظمة التعاون الإسلامي على عقد جلسة طارئة للبحث في آلية جماعية للتعامل مع ما وصفه بالاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، مؤكدًا على ضرورة وحدة العالم الإسلامي واتخاذ خطوات عملية وفورية تضمن ردًا موحدًا على التطورات الخطيرة التي تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
شدد وزير الدفاع الباكستاني على أن إيران ليست دولة جارة فحسب، بل تمثل شقيقة لباكستان، تجمعها بها علاقات تاريخية وثيقة، حيث أكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن باكستان تتابع بقلق بالغ ما يجري على الساحة الإقليمية، وترى في الهجوم الإسرائيلي الأخير على الأراضي الإيرانية تهديدًا لا يمكن تجاهله، ليس فقط لإيران بل للسلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.
حذر الوزير الباكستاني من أن عدم تكاتف الدول الإسلامية في مواجهة التصعيد العسكري سيجعل كل دولة عرضة للخطر مستقبلًا، مشيرًا إلى أن ما يتعرض له اليمن وإيران وفلسطين من استهداف إسرائيلي يعكس وجود مخطط شامل يهدد الأمن القومي لمعظم الدول الإسلامية، مؤكدًا أن المخاطر الأمنية التي تواجهها الشعوب الإسلامية تتطلب اليوم قيادة قوية وقادرة على تنسيق الجهود لمواجهة التحديات الراهنة.
وفي ظل تلك التصريحات، أقدمت السلطات الباكستانية على إغلاق الحدود البرية مع إيران نتيجة التصعيد العسكري المتواصل في المنطقة بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل، حيث جاء قرار إغلاق المعبر في ظل تصاعد التوترات الأمنية بعد قيام إسرائيل باغتيال قيادات عسكرية إيرانية وشن هجمات استهدفت منشآت نووية إيرانية حساسة، مما أثار ردود فعل قوية في المنطقة وزاد من حدة المخاوف من اتساع دائرة الصراع.
صرح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بأن لإيران الحق في الدفاع عن النفس، حيث قدم تعازيه للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الأرواح التي أُزهقت جراء الغارة الجوية المفاجئة التي شنّتها إسرائيل، مجددًا تأكيده على أن باكستان تقف بثبات إلى جانب حكومة وشعب إيران في مواجهة ما وصفه بـ”العدوان غير المبرر وغير المشروع”، وذكر رئيس الوزراء الباكستاني أن باكستان أعلنت دعمها لإيران خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة، حيث ندّد بحملة “الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين الشجعان” واصفًا إياها بأنها تهديد للسلم الإقليمي والدولي، وحثّ المجتمع الدولي على عدم التزام الصمت.
كانت المباحثات خلف الأبواب المغلقة لها حسابات أخرى، حيث كان المسؤولون في إسلام آباد يتأرجحون تحت ظل التوتر، حيث تشترك باكستان مع إيران في حدود تمتد على 900 كيلومتر، معظمها تضاريس جبلية وعرة ومناطق خارجة عن السيطرة، وإيران ليست مجرد جار، بل شريك لباكستان وإستقرارها ضروري من أجل البقاء المشترك.
من جانبه، قال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف إن بلاده لم تُجرِ أي تنسيق أو تعاون عسكري مع طهران منذ بداية الحرب بين إيران وإسرائيل، لكنه حذّر في الوقت نفسه تل أبيب من مغبة التفكير في استهداف باكستان، مؤكدًا أن منشآتها النووية محصنة وتخضع لحراسة مشددة، وحذّر “آصف” بلهجة صارمة من أي تهديد إسرائيلي لباكستان، قائلًا إن هذا الأمر بمثابة شريان حياة عندما يتعلق الأمر بدفاعاتنا، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو شعبه أو حكومته سيفكرون مرارًا وتكرارًا قبل الإقدام على أي عمل ضد باكستان.
وكان خواجة آصف قد أعلن في تصريحاته خلال اجتماع مجلس النواب أن باكستان ستقف إلى جانب إيران في مواجهة التحديات، وأفادت وكالة مهر للأنباء بأن خواجة آصف أكد على أن إيران هي جارة لنا وقد كانت لدينا علاقات جيدة معها لقرون، وفي ظل هذه الأزمة، سنقف إلى جانب إيران بكل الوسائل الممكنة وسنحمي مصالحها، مؤكدًا أن الإيرانيين هم إخوتنا، وآلامهم وآلامنا هي آلام مشتركة.
وأشار إلى أن إسرائيل تستهدف كل من اليمن وإيران وفلسطين، مشددًا على ضرورة اتحاد العالم الإسلامي، محذرًا من أنه إذا لم يتحد العالم الإسلامي اليوم وظللنا صامتين، فإن الدور سيأتي على الجميع.
ومن جانبه، قال السفير عاصم افتخار، المندوب الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة، بأن لإيران الحق في الدفاع عن نفسها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وأن الهجمات الإسرائيلية تشكل تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن والاستقرار، حيث أضاف السفير الباكستاني في كلمة ألقاها خلال اجتماع في الأمم المتحدة لمناقشة الهجوم على إيران، حسب وسائل إعلام باكستانية، أن باكستان تدين الهجوم الإسرائيلي غير القانوني على إيران، وأن الهجوم الإسرائيلي انتهاكٌ لسيادة إيران وسلامة أراضيها، مؤكدًا أن الهجمات الإسرائيلية تشكل تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن والاستقرار، وأن انتهاكات إسرائيل المستمرة للسيادة أصبحت هي القاعدة.
وفي موقف متناقض، أعلنت باكستان أنها ستزكي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، حيث قالت إنه يتوق إليها، وذلك بسبب مساعدته في إنهاء أحدث صراع بين الهند وباكستان، وأن الرئيس ترامب أظهر بعد نظر استراتيجيا كبيرا وحنكة سياسية ممتازة من خلال التعامل الدبلوماسي القوي مع كل من إسلام آباد ونيودلهي، مما أدى إلى تهدئة وضع كان يتدهور بسرعة، ويمثل هذا التدخل شاهدًا على دوره كصانع سلام حقيقي.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تأتي خطوة باكستان لترشيح ترامب بعد لقاء قائد جيشها عاصم منير مع ترامب على الغداء، وهذه هي المرة الأولى التي يُدعى فيها قائد للجيش الباكستاني إلى البيت الأبيض خلال تولي حكومة مدنية السلطة في إسلام آباد.
في مايو الماضي، أدى إعلان ترامب المفاجئ عن وقف إطلاق النار إلى نهاية غير متوقعة لصراع استمر 4 أيام بين الهند وباكستان، الخصمين المسلحين نووياً، ومنذ ذلك الحين، قال ترامب مرارًا إنه تفادى حربًا نووية، وأنقذ ملايين الأرواح، وتذمر من عدم نسب الفضل إليه في ذلك، وتتفق باكستان في أن التدخل الدبلوماسي الأميركي أنهى القتال، لكن الهند تقول إنه كان اتفاقًا ثنائيًا بين الجيشين.