في إطار التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن مستشفى «سوروكا» في بئر السبع، والذي يُعتبر ثالث أكبر المستشفيات في إسرائيل، تعرض لقصف مباشر من قبل إيران، مما أدى إلى تضرر المباني وتسرب مواد خطيرة، مما استدعى إخلاء عاجل للمرضى والعاملين.
وفي أول رد رسمي، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القصف بأنه «جريمة حرب مكتملة الأركان»، مضيفًا: «استهداف مستشفى هو عمل إرهابي يتجاوز جميع الخطوط الحمراء»، كما دعا مسؤولون إسرائيليون الأمم المتحدة والولايات المتحدة للتدخل العاجل وفتح تحقيق دولي في الاعتداء الإيراني على منشأة طبية مدنية، وفقًا لوصفهم.
إيران تستهدف مستشفى سوروكا.
إلا أن هذه التصريحات أثارت انتقادات محلية ودولية لسياسات الاحتلال، إذ لم يمضِ سوى أشهر قليلة على الهجمات التي شنتها إسرائيل على عشرات المستشفيات في قطاع غزة، مثل مستشفى الشفاء، ومستشفى الأندونيسي، والمستشفى المعمداني، حيث تم قصفها بالكامل أو محاصرتها، مما أسفر عن مقتل المئات من المرضى والأطباء والنازحين داخلها.
خلال تلك الفترة، بررت إسرائيل قصف المستشفيات الفلسطينية بأنها «تستخدم لأغراض عسكرية»، وأن التهديد الأمني يبرر استهدافها، في تناقض واضح مع خطابها اليوم الذي يعتبر نفس الفعل حين يقع على أراضيها «إرهابًا وجريمة».
مستشفى الشفاء (غزة): زعم الاحتلال وجود مقر قيادة لحماس تحت المستشفى، رغم غياب أي أدلة ميدانية مستقلة تؤكد ذلك، وقد نفت الأمم المتحدة والفرق الطبية تلك المزاعم.
مستشفى الأندونيسي (شمال غزة): ادعى الاحتلال وجود خلايا مسلحة تخرج منه، رغم أنه كان مكتظًا بالمرضى والنازحين المدنيين.
مستشفى المعمداني (الكنيسة المعمدانية، غزة): تعرض للقصف بصاروخ تسبب في استشهاد المئات، معظمهم من النساء والأطفال الذين لجأوا إليه.
مستشفى القدس (التابع للهلال الأحمر): حُوصر لعدة أيام ثم قُصف عدة مرات، وتم إخلاؤه بعد انقطاع الكهرباء والماء.
مستشفى ناصر (خان يونس): تعرض للقصف والاقتحامات، وسط تقارير عن إعدامات ميدانية واعتقالات داخل أروقته، وبرر الاحتلال ذلك بتكرار مزاعم وجود «نشاط مسلح»، رغم وجود آلاف النازحين داخله.
أما الموقف الإسرائيلي عند قصف مستشفى سوروكا (بئر السبع): جاء أول رد بأنه «جريمة حرب» و«عمل إرهابي إيراني»، وطالب بتدخل دولي عاجل، ووصف الهجوم بأنه خرق صارخ لاتفاقيات جنيف، وتهديد للبنية التحتية الإنسانية، بالإضافة إلى رد فعل عالمي يتمثل في بيانات استنكار عاجلة من أمريكا وأوروبا، وتضامن رسمي مع إسرائيل.
في الوقت الذي سارعت فيه بعض العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن ولندن، للتعبير عن قلقها العميق إزاء قصف مستشفى سوروكا، ساد صمت دولي كبير حين كانت صور الرضع الموتى تخرج من حضّانات غزة تحت الأنقاض، أو حين وُثقت المجازر داخل أقسام الطوارئ، أو عندما غادرت الأم لتجلب الملابس لطفلها، وعادت لتجد أن المشفى قد دُمّر، أليست لديهم أيضًا حقوق في الحياة؟
منظمات حقوقية عربية ودولية وصفت الموقف الإسرائيلي بأنه «نفاق سياسي وإنساني»، وأشارت إلى أن من اعتاد تبرير استهداف المستشفيات في غزة لا يملك اليوم الحق الأخلاقي في المطالبة بالتعاطف أو العدالة.
ما اعتبره الاحتلال «أمنًا قوميًا» يبرر قصف عشرات المستشفيات في غزة، أصبح في لحظة «إرهابًا» حين أصاب مستشفى داخل إسرائيل، لم يكن مستشفى سوروكا الوحيد الذي عرف الألم اليوم، لكن المفارقة أن ذات الألم الذي يعيشه الإسرائيليون اليوم هو ما ظل الفلسطينيون يعيشونه منذ شهور بل ومنذ عامين، العالم الغربي والعربي يرى ما يعيشه الفلسطينيون يوميًا في صمت، بينما الوضع اليوم مختلف، والإسرائيليون يذوقون من نفس الكأس بنفس الوجع.
الأطباء في غزة عملوا تحت القصف، أجروا العمليات بدون تخدير، وفقدوا زملاءهم والمرضى في لحظات، النساء ولدن في ممرات المستشفيات، والجرحى تُركوا ينزفون حتى الموت وسط أنقاض المباني الطبية، ورغم ذلك، لم تُفتح لجان تحقيق دولية، ولم يُصف أي قصف هناك بأنه «جريمة حرب» إلا من قبل بعض المنظمات الحقوقية.
الإنسان في غزة لا يُعامل كإنسان في نظر الاحتلال وبعض من يدّعي الدفاع عن «القيم الدولية»، والمستشفى التي تُقصف في غزة لها ألف مبرر، لكن حين يُقصف في إسرائيل يصبح حديث العواصم، العالم الذي يصمت حين تُقصف مستشفى فلسطينية، ويصرخ حين تُمس مستشفى إسرائيلية، لا يحمي القانون الدولي بل يهدمه، وفي الوقت الذي يطالب فيه الاحتلال بتدخل دولي، لا تزال غزة تنتظر إنصافًا لم يأتِ، وعدالة لا تزال مفقودة، وضميرًا عالميًا غائبًا.