احتفالًا بذكرى ميلاد محمود عبد العزيز الساحر الذي أسر قلوب الجمهور منذ اللحظة الأولى

اليوم الأربعاء، نحتفل بذكرى ميلاد محمود عبد العزيز، الفنان الذي بفضل موهبته الفريدة استطاع الانتقال من مقاعد كلية الزراعة إلى شاشات السينما والتلفزيون، ليصبح أحد أعمدة الفن في مصر والوطن العربي.

احتفالًا بذكرى ميلاد محمود عبد العزيز الساحر الذي أسر قلوب الجمهور منذ اللحظة الأولى
احتفالًا بذكرى ميلاد محمود عبد العزيز الساحر الذي أسر قلوب الجمهور منذ اللحظة الأولى

نشأة محمود عبد العزيز

وُلد عام 1946 في حي الورديان بمحافظة الإسكندرية، نشأ في أسرة متوسطة لم يكن الفن جزءًا من اهتماماتها، لكن الشغف الذي سكن قلبه منذ الصغر قاده إلى مسيرة فنية طويلة وغنية، تميزت بالتنوع والجرأة والاختلاف.

من الزراعة إلى الفن

التحق محمود عبد العزيز بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس زراعة، بل وواصل دراسته ليحصل على درجة الماجستير في تربية النحل.

لكن خلال سنوات الجامعة، جذبه المسرح الجامعي، وهناك بدأت الحكاية، لم يكن يخطط ليصبح نجمًا، لكنه أحب التمثيل ووجد فيه متعة مختلفة.

من هنا جاءت أولى خطواته الفنية، عبر المشاركة في الأعمال المسرحية الجامعية، ثم لفت الأنظار إليه لينتقل إلى أول تجربة تلفزيونية له من خلال مسلسل “الدوامة” في بداية السبعينيات، من إخراج نور الدمرداش، ليكون هذا الدور مدخله إلى عالم الاحتراف.

أفلام السبعينيات

مع بدايته في السينما، كانت أدواره تميل إلى الطابع الرومانسي، حيث قدم في فترة قصيرة أكثر من 25 فيلمًا، منها أفلام شبابية تجارية اعتمدت على وسامته وحضوره على الشاشة.

لكن برغم هذه الانطلاقة السهلة، إلا أن محمود عبد العزيز لم يكن راضيًا بالبقاء في منطقة واحدة.

ومع بداية الثمانينات، بدأت تظهر ملامح فنية جديدة في اختياراته، فقد قرر الخروج من قالب “الشاب الرومانسي”، وبدأ في تقديم شخصيات أكثر عمقًا، وهو ما ظهر بوضوح في أفلام مثل “العذراء والشعر الأبيض”، و”تزوير في أوراق رسمية”، و”إعدام ميت”.

العار وولادة ممثل مختلف

من أبرز المحطات التي لا تُنسى في مسيرته، فيلم “العار” الذي عُرض عام 1982، ففي البداية لم يكن محمود عبد العزيز هو المرشح الأول لدور “عادل”، بل كان الفنان يحيى الفخراني، لكن بعد اعتذار الفخراني، ذهب الدور إلى محمود، وكانت تلك نقطة تحوّل مهمة في حياته المهنية.

في هذا الفيلم، أظهر قدرات تمثيلية عالية، ونجح في تقديم جانب كوميدي غير تقليدي، خاصة في النصف الثاني من الفيلم، وهو ما لفت انتباه الجمهور والنقاد، وأثبت أن لديه ما هو أكثر من الوسامة.

فيلم لكيف

في عام 1985، جاء الدور على فيلم “الكيف”، الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، وأحد أكثر الأعمال مشاهدة وإعادة حتى اليوم.

كان الدور مرشحًا في البداية لعادل إمام، لكن الظروف جعلت محمود عبد العزيز هو من يؤدي شخصية “مزاجنجي”، الشاب العبقري الذي يبيع تركيبات كيميائية للمخدرات.

نجح محمود في تقديم الشخصية بخفة ظل وبأداء مركب يجمع بين الكوميديا والجدية، وأصبح أحد أكثر الأدوار التي ارتبط بها الجمهور، حتى الآن، لا تزال مشاهد “مزاجنجي” تُتداول على مواقع التواصل الاجتماعي ويُعاد اكتشافها جيلاً بعد جيل.

رأفت الهجان.. المسلسل الذي خلّد اسمه

لا يمكن الحديث عن ذكرى ميلاد محمود عبد العزيز دون التوقف عند مسلسل “رأفت الهجان” الذي بدأ عرضه عام 1987.

في البداية، كان الفنان عادل إمام هو المرشح الأول، لكنه اختلف مع مؤلف العمل صالح مرسي حول تفاصيل في السيناريو، وهنا جاء الدور لمحمود عبد العزيز، الذي لم يكن معروفًا بأداء أدوار جادة في الدراما التلفزيونية بهذا العمق، لكن الرهان كان ناجحًا بكل المقاييس.

جسد شخصية الجاسوس المصري رفعت الجمال (رأفت الهجان) بطريقة مؤثرة وبأداء داخلي عميق، جعل الجمهور يتفاعل معه وكأنه يروي قصة حقيقية قريبة من القلب.

لم يكن مجرد مسلسل، بل أصبح جزءًا من وجدان الناس، وجعل من محمود عبد العزيز اسمًا كبيرًا في عالم الدراما.

أعمال لم يكن مرشحًا لها لكنها صنعت نجوميته

من المثير في مسيرة محمود عبد العزيز أن كثيرًا من أدواره الأهم لم يكن هو المرشح الأول لها، وفيلم “سوق المتعة” مثال واضح على ذلك.

عُرض الفيلم عام 1999، وكان من المفترض أن يؤديه عادل إمام، لكنه اعتذر، ليقدمه محمود عبد العزيز، ويبرع فيه كعادته، حيث جسّد شخصية معقدة لرجل خرج من السجن بعد سنوات طويلة، ليواجه مجتمعًا مختلفًا تمامًا.

الدور كان ثقيلًا من حيث البناء النفسي والدرامي، لكنه أضاف بعدًا جديدًا لقدراته الفنية، وأثبت مرة أخرى أن اختياراته لم تكن عشوائية، بل واعية ومدروسة.

رحيل مفاجئ وذكرى لا تُنسى

في 12 نوفمبر 2016، رحل الفنان محمود عبد العزيز عن عالمنا، بعد صراع قصير مع المرض، خبر وفاته كان صادمًا لجمهوره وزملائه، خاصة أنه لم يكن مريضًا لفترة طويلة.

رحل محمود عبد العزيز، لكن إرثه ما زال حيًا، من “الكيف” و”العار”، إلى “رأفت الهجان” و”سوق المتعة”، كل عمل له نكهة مختلفة، وشخصية لا تُنسى، وأداء ترك بصمة.