الأقسام: منوعات

استكشف ملحمة المطاريد.. رواية متدفقة وكأنها كُتبت في جلسة واحدة!

عقد “نادي المعادي للأدب” لقاءً مميزًا مع الكاتب عمار علي حسن، حيث التقى بقرائه لمناقشة روايته “ملحمة المطاريد” التي صدرت في ثلاثة أجزاء عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وقد سبق للنادي أن ناقش له روايتين هما “باب رزق” و”جبل الطير”، في تقليد يتيح للكاتب الاستماع إلى آراء القراء حول نصوصه الأدبية.

استكشف ملحمة المطاريد.. رواية متدفقة وكأنها كُتبت في جلسة واحدة!

ركز القراء في مداخلاتهم على ثلاثة جوانب أساسية، الأول هو تدفق السرد الذي جعل البعض ينهي القراءة في وقت قصير رغم حجم الرواية، والثاني يتعلق باللغة السلسة التي استخدمها الكاتب، حيث عكست المواقف والأفكار بأسلوب بسيط لكنه عميق، أما الجانب الثالث فهو أن النص يحمل تأويلات متعددة، وله ظاهر يختلف عن باطنه.

علق عمار على النقطة الأخيرة، مشيرًا إلى أن الرواية تحمل بالفعل ظاهرًا وباطنًا، حيث يتناول الظاهر صراعًا ممتدًا عبر القرون في ريف مصر، بينما الباطن يعكس رحلة الإنسان بشكل عام، وقد يكون تصويرًا لخلق جديد بعد طوفان “نوح” عليه السلام، حيث قد تمثل الحديقة الغامضة التي بدأت بها الرواية الفردوس، والمجاذيب هم الطيبون الذين بقوا مع النبي “نوح” فوق ألواح ودُسر، لكن جاء من نسلهم أشرار أيضًا، وقد تكون الرواية تصورًا للخلق وتاريخ الإنسان، فهي تعبر عن الكدح والمعاناة التي يعيشها الإنسان، وتطرح فكرة حنين المطرودين إلى العودة، وهو موضوع يتكرر في العديد من الأعمال الروائية.

بدأ الحديث الكاتب حسام صابر مرسي، الذي أدار اللقاء، بتناول النهاية المفتوحة للرواية، وهي سمة تميز أعمال الكاتب، بالإضافة إلى البناء الدائري الذي يعيد الصراع في السطور الأخيرة إلى نقطة البداية، معبرًا عن طبيعة الحياة الإنسانية.

من جانبه، أبدى الكاتب والإعلامي محمد موافي إعجابه الشديد بالرواية، متمنيًا لو كان كاتبها، واصفًا إياها بأنها “عمل فاتن وقطعة من الفن الخالص”، رغم ما تحمله من معانٍ إنسانية وتاريخية، وأكد أنه قرأها مرتين وكتب عنها مقالين.

واصل موافي حديثه، قائلًا إن هذه الرواية، جنبًا إلى جنب مع أعمال الكاتب الأخرى في الأدب والفكر والاجتماع السياسي، تضعه في مصاف كبار أدبائنا ومفكرينا، لكن المعاصرة تظل حجابًا، حيث تنجذب الغالبية إلى الأعمال القديمة وكأن الساحة تخلو من أمثالهم، وهذا يعد ظلمًا وخطأ.

أما القارئة بسمة البديوي، فقد أعربت عن انجذابها الشديد للرواية، متمنية ألا تنتهي، وأعربت عن رغبتها في وجود أجزاء رابعة وخامسة تغطي التاريخ الاجتماعي المصري المنسي في ريف الصعيد حتى يومنا هذا.

وأضافت البديوي أن الرواية تحمل أملًا في إمكانية الخروج من نفق التاريخ الذي نمر به، متماشية مع الكثير من كتابات عمار التي تمنح الأمل حتى في أشد ساعات اليأس.

ورأت الدكتورة هبة شحاتة أن الرواية كانت فرصة لها للتعرف على أشياء جديدة، خاصة ما كان يفعله الفيضان بالمصريين قبل إنشاء السد العالي، وأوضاع الفلاحين الصعبة تحت ضغط نظام الالتزام، وعسف السلطة المستمر، وعميلة استخراج الذهب من الجبال، وحياة المطاريد، وأحوال وجهاء الريف عبر العصور.

وتناول المهندس محمد طلبة سبب اختيار عنوان “المطاريد” للرواية، وسأل عما إذا كان الكاتب قد فكر في عناوين أخرى، مشيرًا إلى الإحساس المرتبط بالطرد والتهميش، وكيف كشفت الرواية عن أن هذه الظاهرة مزمنة في مجتمعنا.

علق عمار على هاتين النقطتين، موضحًا أنه كان يفاضل بين عدة عناوين مثل “المجاريح” و”الأجاويد” و”الغلابة” و”الدراويش”، إلا أن “المطاريد” كان أكثر جاذبية له ولدار النشر، حيث يعبر عن الكثير من مصائر شخصيات الرواية، فهناك من طردهم ظلم الملتزمين، وآخرون طردتهم الفيضانات، وكذلك الفتوات الغاشمين، وأيضًا الاحتلالات المتعاقبة، وهناك عائلة الصوابر التي طُردت من قريتها، وقبلهم عائلة الجوابر، مما يجعل الطرد عاملًا مشتركًا بين الجميع.

دارت مداخلة سارة البدري حول بعض المعاني العميقة للرواية، مشيرة إلى تدفق الحكي وقدرة الكاتب على السرد، وقالت: “في ملحمة المطاريد، ولا تسألني لماذا؟ فتشت في ذاتي عن شعوري بالصوابر، ورغبتي وأملي في عودتهم لمكانتهم، مثلما أفتش في عودة أمتنا إلى مجدها السابق، بعد أن أصبحت مستباحة، وصار السؤال الدهري الذي يعذبني وأثارته هذه الرواية بداخلي من جديد هو: هل سنعود؟”

ركزت زهرة حازم على الشخصيات النسائية في الرواية، مشيرة إلى دورهن المهم، وقدرتهن على تغيير مجرى الأحداث، وضربت أمثلة ببديعة وسابا وهنية وحورية وعبلة، وقالت إن الكاتب استطاع أن يتغلغل إلى أعماق نفس المرأة ويفهمها جيدًا، مما جعلها تمارس دورًا أساسيًا وليس هامشيًا.

أما دينا العربي، فقد لفتت الانتباه إلى دور “المجاذيب” أو سكان الزاوية التي تطل على القرية، مشيرة إلى أنهم لعبوا دورًا في إرشاد الناس إلى الرشد، وتقديم العون في أوقات الحاجة بسبب الفيضانات أو الجفاف، وكانت الزاوية نقطة ضوء وسط العتمة.

بينما أشادت علا قطب بأسلوب الرواية وجاذبية الحكاية، قالت بسمة محمد إنها قرأت العديد من روايات الكاتب، ووجدت لديه القدرة على دمج موضوعات متعددة بأسلوب مشوق، حيث تعكس رواياته ظلالًا لثقافات متنوعة.

تناول بلال عفيفي تماسك الرواية، وكيف أنها نسجت من خيوط واحدة، متدفقة وكأنها كتبت في جلسة واحدة، رغم أنها قابلة لأكثر من تأويل.

يُذكر أن “ملحمة المطاريد” هي الرواية الرابعة عشر لعمار علي حسن، بالإضافة إلى ثماني مجموعات قصصية، ومسرحية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتين قصصيتين، وقصة للأطفال، وأيضًا ستة وعشرين كتابًا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف، وقد كُتبت حول أعماله الأدبية عشرون رسالة ماجستير ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وتمت الكتابة عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى عدة لغات، وحصلت على جوائز متعددة.

العلامات: عمار علي حسن ملحمة المطاريد ندوة ثقافية