بعد خفض أسعار الفائدة في مصر لأول مرة منذ 4 سنوات ونصف.. من المستفيد ومن المتضرر؟

بعد خفض أسعار الفائدة في مصر لأول مرة منذ 4 سنوات ونصف.. من المستفيد ومن المتضرر؟

في خطوة مُفاجئة ومهمة، أعلن البنك المركزي المصري، اليوم الخميس، عن خفض أسعار الفائدة الأساسية بنسبة 2.25%، لتصبح 25% على الإيداع و26% على الإقراض، وهو أول خفض من نوعه منذ أكتوبر 2019. يأتي هذا القرار في ظل تحولات اقتصادية محلية وعالمية، مما يثير تساؤلات مهمة حول المستفيدين والمتضررين منه، خاصة مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.

المستفيدون: انفراجة للمستثمرين والدولة والأسواق

المستثمرون والمقترضون:

يُعتبر هذا القرار بمثابة انفراجة كبيرة لرجال الأعمال وأصحاب المشروعات، حيث يؤدي خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة الاقتراض، مما يعزز فرص ضخ استثمارات جديدة أو توسيع المشروعات القائمة. ومنذ رفع الفائدة بعد تحرير سعر الصرف في مارس 2022، اشتكى المستثمرون من ارتفاع تكلفة التمويل، التي كانت تعيق تنفيذ العديد من المشاريع، خاصة مع التحديات المرتبطة بالتضخم وارتفاع أسعار المواد الخام.

البورصة المصرية:

يُنعش خفض الفائدة الآمال في سوق المال، إذ يدفع بعض أصحاب الودائع إلى توجيه أموالهم نحو الأسهم لتحقيق عوائد أفضل. ويأتي ذلك بالتزامن مع تنفيذ الحكومة لبرنامج الطروحات العامة، الذي يتضمن طرح حصص من 10 شركات حكومية في البورصة، مما يعزز فرص دخول سيولة جديدة وتنشيط التداول.

قطاعا العقارات والذهب:

من المتوقع أن يستفيد قطاعا الذهب والعقارات من خروج جزء من السيولة البنكية، خاصة تلك المرتبطة بالشهادات مرتفعة العائد التي اقترب موعد استحقاقها. ويشير محللون إلى أن العقارات قد تشهد نشاطًا متزايدًا خلال العام الحالي مع توسع في المشروعات الجديدة، خاصة بالشراكة مع الدولة.

على صعيد المالية العامة، يُسهم خفض الفائدة في تقليل العائد الذي تدفعه الحكومة على أدوات الدين مثل أذون وسندات الخزانة، مما ينعكس إيجابيًا على تقليص عبء خدمة الدين العام وتقليص عجز الموازنة، والتي تُعتبر من أبرز التحديات الاقتصادية الحالية.

البنوك (في حال خفض عوائد الشهادات):

رغم أن خفض الفائدة قد يقلل أرباح البنوك من القروض، إلا أن ذلك يقابله احتمال تقليل الفوائد المدفوعة على شهادات الادخار، وخاصة تلك ذات العائد المرتفع. كما أن زيادة الطلب على القروض قد يُعوض هذه الفجوة، لا سيما إذا استمرت البنوك في تقديم منتجات تمويلية مبتكرة.

توفير فرص عمل:

يشير بعض المحللين إلى أن تسهيل الاقتراض وتحفيز بيئة الأعمال قد يُساهمان في توفير فرص عمل جديدة، سواء عبر استثمارات مباشرة أو من خلال توسعات في مشروعات قائمة، مما قد يُخفف من معدلات البطالة خلال الأشهر المقبلة.

الخاسرون: أصحاب المدخرات والمستثمرون في أدوات الدين

أصحاب الودائع:

المدخرون الذين اعتادوا على عوائد مرتفعة من شهادات الادخار هم أول المتأثرين سلبًا بقرار خفض الفائدة. ومع ترقب احتمالية توقف بنكي الأهلي ومصر عن إصدار الشهادات ذات العائد 27%، قد تنخفض العوائد المتاحة بشكل كبير، مما يُضغط على أصحاب المدخرات الثابتة، خاصة كبار السن وأصحاب الدخول المحدودة.

المستثمرون في أدوات الدين (المحليون والأجانب):

يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تراجع العائد على أذون وسندات الخزانة، مما قد يُضعف شهية بعض المستثمرين، لا سيما الأجانب الذين يبحثون عن أعلى عائد ممكن مقارنة بمخاطر السوق. ورغم أن العائد لا يزال من بين الأعلى عالميًا، فإن اتجاه البنوك المركزية في الدول الكبرى نحو رفع الفائدة قد يُعيد تشكيل خريطة الاستثمارات المالية.

هل تنجح السياسة النقدية الجديدة؟

يُشير القرار إلى تحول في السياسة النقدية نحو التيسير، بعد سنوات من التشديد لمواجهة التضخم وجذب الاستثمارات قصيرة الأجل (الأموال الساخنة). ويراهن البنك المركزي على أن هذا التغيير سيُحفز النمو ويُعيد النشاط الاقتصادي دون أن يُطلق العنان لموجات تضخمية جديدة.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في الموازنة الدقيقة بين دعم النشاط الاقتصادي، والحفاظ على استقرار الأسعار، وضمان استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، دون زعزعة ثقة الأسواق.

قرار خفض الفائدة يحمل في طياته رسائل تفاؤل للمستثمرين والأسواق، لكنه في الوقت نفسه يبعث إشارات تحذير لأصحاب المدخرات والمستثمرين الماليين. ما إذا كانت هذه السياسة ستنجح في إنعاش الاقتصاد دون دفع فاتورة تضخمية جديدة، يظل مرهونًا بقدرة الحكومة والبنك المركزي على إدارة المرحلة المقبلة بحكمة وحذر.

في الختام، يبقى من المهم مراقبة تأثير هذا القرار على الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، ومدى استجابة مختلف القطاعات له. كما أن التفاعل من قبل المستثمرين والمواطنين سيكون له دور كبير في تشكيل معالم المرحلة القادمة.

قد يهمك أيضاً :-